وكان المستر بكوك يعلم حق العلم أن من الخطر الاحتماء من الصواعق بجوار شجرة، وكانت عن يمينه واحدة، وعن شماله أخرى، وثالثة قائمة قبالته، ورابعة من خلفه، فإذا هو لبث في مكانه، فقد يقع ضحية حادث، ولو بدا في بهرة الحديقة، فقد يسلمونه إلى الشرطي، فراح يحاول مرة أو مرتين تسلق الجدار، ولكنه لم يجد في هذه المرة من سيقان ترفعه إلى أعلى غير الساقين اللتين أنعمت الطبيعة بهما عليه، ولا نتيجة لهذه المحاولة غير إصابته بسحجات أليمة في ركبتيه، وخدوش منوعة في قصبتيهما، وإجهاد قواه إلى حد جعل العرق يتصبب غزيرا من جميع أطراف بدنه.
وقال المستر بكوك لنفسه، وقد وقف ليمسح عرقه بعد ذلك المجهود: «يا له من موقف مروع!» وتطلع ببصره إلى البيت؛ فوجد الظلام يغمره من جميع أرجائه، فاعتقد أن القوم لا بد أن يكونوا قد عادوا إلى مضاجعهم، فليجرب الإشارة مرة أخرى.
ومضى على أطراف أصابع قدميه فوق الحصباء الندية وطرق الباب، وأمسك بأنفاسه، وأنصت إلى ثقب المفتاح، ولكنه لم يسمع جوابا، هذا أمر غريب كل الغرابة، ودق أخرى، ومضت ثانية، فبلغ سمعه همس خافت من الداخل، ثم صوت يصيح: «من هذا؟»
وقال المستر بكوك في نفسه: «ليس هذا صوت جوب.» وتراجع في الحال إلى الجدار، «هذا صوت امرأة!»
ولم يكد يصل بتفكيره إلى هذه النتيجة حتى انفتحت نافذة فوق السلم، ورددت ثلاث أو أربع نسوة السؤال عينه: «من هذا؟»
ولم يجرؤ المستر بكوك على تحريك يد أو قدم، فقد تبين له أن القوم جميعا قد هبوا من نومهم، فاعتزم البقاء في موضعه حتى يهدأ ذلك الفزع، ثم يحاول بجهد يفوق الطبيعة تسلق الجدار، أو يهلك دونه.
وكانت هذه العزيمة ككل عزمات المستر بكوك خير وسيلة تتخذ في هذا الموطن، ولكنها كانت لسوء الحظ مبنية على افتراض أن القوم لن يجرءوا على فتح الباب مرة أخرى، ولشد ما كانت حيرته حين سمع أصوات السلاسل والمزالج وهي ترفع، وشهد الباب ينفتح شيئا فشيئا، فتراجع إلى الركن خطوة فخطوة، ولكن جسمه - على كل حال - حال بين فتح الباب على سعته.
وتعالت أصوات عدة من السلم تقول: «من هناك؟»
وكانت هذه الصوات تتألف من أصوات السيدة العانس ربة البيت، وثلاث معلمات، وخمس خادمات، وثلاثين طالبة، وكلهن أنصاف عاريات، وفي غابة من الجدائل الملففة المعقوصة في قلانس من الورق.
وبالطبع لم يقل المستر بكوك من هو الذي كان هناك، وإذا نغمة الصيحات تتحول إلى نغمة جديدة، وهي: «رباه ... إنني خائفة!»
Shafi da ba'a sani ba