مقدمة
عن المؤلف
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصل الخامس والخمسون
الفصل السادس والخمسون
بيان بالأعلام والأماكن الواردة بالكتاب
مقدمة
Shafi da ba'a sani ba
عن المؤلف
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصل الخامس والخمسون
الفصل السادس والخمسون
بيان بالأعلام والأماكن الواردة بالكتاب
مذكرات بكوك
مذكرات بكوك
Shafi da ba'a sani ba
تأليف
تشارلز ديكنز
ترجمة
عباس حافظ
مقدمة
قلنا في مقدمة الطبعة الأصلية لمذكرات نادي بكوك المنشورة بعد وفاة مؤسسه: إن المقصود منها إيراد صور مسلية لأنماط من الناس، ورسوم فكهة لصنوف من الوقائع والأحداث، لا محاولة فيها لإظهار البراعة في قصة «محبوكة» موصولة السياق، ولم يكن المؤلف يرى في ذلك الحين أن إيرادها على هذا الوجه ميسور؛ لأن أسلوب النشر المتبع في ذلك الوقت لم يكن على نسق مطرد. وقلنا كذلك: إننا قد أخذنا نغفل شيئا فشيئا الحديث عن جهاز النادي، كلما تقدمنا في الكتاب، وذلك بعد أن تبين لنا أن معالجته من أشق الأعباء، ولئن كانت التجربة والدراسة قد علمتنا فيما بعد شيئا بسبيل بعض تلك المطالب ونحوها، حتى لوددت اليوم لو أن هذه الفصول ترابطت بخيط قوي واحد، وأمسك بها موضوع يثير الاهتمام العام؛ فلا تزال في شكلها الحالي عين ما أريد بها أن تكون ...
ولقد رأيت روايات مختلفة لأصل هذه المذكرات التي ظلت على الحالات كلها في تقديري تتصف بفتنة الطرافة التامة، وسحر الجدة البالغة، وإذا كان يصح لي أن أستخلص من ظهور روايات وأقاصيص منها أن في نفوس قرائي توقا إلى معرفة حقيقتها؛ فإني سأقص عليهم كيف ظهرت في عالم الوجود.
كنت شابا في الثانية أو الثالثة والعشرين حين أثارت بعض قطع كنت أكتبها في ذلك العهد في صحيفة «المورننج كرونكل» اهتمام الناشرين «تشابمان وهول»، أو كنت قد كتبتها توا في المجلة الشهرية القديمة «أولد منثلي ماجازين»، وقد جمعت أخيرا سلسلة منها، ونشرت في مجلدين، ورسمت لها صور من ريشة المستر جورج كروكتشنك؛ فجاءني هذان الناشران يطلبان إلي أن أقترح شيئا يصح أن ينشر في أعداد لا يتجاوز ثمن العدد منها شلنا، ولم أكن أعرف يومئذ شيئا عنها، وأعتقد أن أحدا سواي لم يكن له بها علم، إلا من ذكرى لم تكن واضحة في خاطري، لروايات لا تحصى من هذا القبيل اعتاد الباعة المتجولون حملها، والطواف في الريف بها، وأذكر أني ذرفت على طائفة منها دموعا غزارا قبل أن أقضي فترة الدربة على الحياة ...
وعندما فتحت باب غرفتي في فندق «فرنفال» لأستقبل الشريك الذي يمثل دار الطباعة والنشر، عرفت فيه ذلك الشخص بالذات الذي كنت قد اشتريت منه منذ عامين، أو ثلاثة أعوام، ولم أكن قد رأيته من قبل، ولم أره من بعد ... النسخة الأولى من المجلة التي ألقيت إليها خفية ذات مساء على مطالع الشفق بباكورة قلمي، وهي «صور وشخصيات»، دعوتها «المستر مينز، وابن عمه»، ألقيتها إليها بيد راعشة، وقلب واجف، في جوف صندوق بريدها القاتم، ودارها المعتمة، في فناء مظلم بشارع «فليت ستريت» ... وظهرت تلك الباكورة فيها بكل ما أضفى الطبع عليها من رونق وبهاء؛ فانطلقت بها عندئذ إلى قاعة وستمنتستر، فمكثت فيها نصف ساعة؛ لأن عيني قد ارتدتا مشدوهتين من فرط الفرح والشعور بالفخار؛ فلم تطيقا الشارع، ولا كان الطريق بالموضع الذي يصلح لرؤيتها فيه، وقد حدثت زائري بتلك المصادفة، فرحبنا معا بها، وعددناها بشرى طيبة وفألا حسنا، وأقبلنا نتحدث في الأمر الذي جاء يبحث معي فيه ...
وكانت الفكرة التي شرحها لي هي إصدار شيء شهري ليكون وسيلة لنشر صور ورسوم من ريشة المستر سيمور، وأن هناك خاطرا بدا لذلك الرسام الفكه الصنع، أو لزائري نفسه، وهو تخيل ناد يدعى «نادي نمرود» يخرج أعضاؤه لصيد الطير أو السمك أو نحوهما، فيقعون في محارج، وتحيط بهم متاعب وورطات؛ لقلة براعتهم وفهمهم لدقائق الأشياء، وقال محدثي: إن فكرة كهذه سوف تكون أحسن وسيلة لإبراز تلك الرسوم والألواح، فلما بحثت تلك الفكرة اعترضت عليها، وكان سبب اعتراضي أنني لست بالصياد البارع، وإن كنت قد ولدت وقضيت بعض أيام نشأتي بالريف، ولم أصب من «الرياضة» إلا ما يتصل بكل أنواع الحركة ووسائل الانتقال، وأن الفكرة ليست بالطريفة، وأنها طرقت كثيرا من قبل، وأنه من الخير إلى أبعد حد أن تنشأ الصور نشأة طبيعية من النص نفسه، وأنني أحب أن أتخذ سبيلي طليقا من كل قيد في تصوير المشاهد الإنجليزية والناس، وأنني أخشى أن أفعل ذلك في النهاية على أية حال، مهما يكن السبيل الذي أختطه لنفسي في البداية. ولما قبلت فكرتي، فكرت في «المستر بكوك» وكتبت العدد الأول، وكان المستر سيمور يتناول «تجارب الطبع»؛ فيرسم الصور على قدودها، فهو الذي رسم «النادي» وصور تلك الصورة الجميلة لمؤسسه، وقد أخذ وصف الثياب والمعالم من المستر إدورد تشبمن، عن شخصية حقيقية كثيرا ما رآها بنفسه، وقد ربطت المستر بكوك بناد عملا بالاقتراح الأصلي، وجئت المستر «ونكل» قصدا؛ ليفتن فيها المستر سيمور كما يشاء، وبدأنا نصدر عددا من أربع وعشرين صفحة، بدلا من اثنين وثلاثين، وأربع صور بدلا من صورتين، وكانت وفاة المستر سيمور فجأة قبل صدور العدد الثاني، وهي مصاب أحزننا، وجزعنا منه؛ فاقتضى مماته اتخاذ قرار عاجل في أمر كنا قد مضينا فعلا فيه، فجعلنا العدد في اثنتين وثلاثين صفحة، واقتصرنا على صورتين، وبقي النظام هكذا إلى النهاية.
Shafi da ba'a sani ba
وأقول هنا على أشد الكره مني إن أقوالا قيلت تلميحا أو متناثرة عن المستر سيمور خاصة، وهي أن له نصيبا في اختراع هذا الكتاب، أو في شيء منه، لم يعرض بأمانة في الفقرة السابقة، ولكني أقتصر هنا على تدوين الوقائع التالية:
وهي أن المستر سيمور لم يبتكر يوما، ولم يقترح إطلاقا حادثة أو عبارة أو كلمة مما حواه هذا الكتاب، وأنه مات حين لم تكن قد صدرت منه غير أربع وعشرين صفحة، ولم تكتب على اليقين ثمان وأربعون، وأنني أعتقد أنني لم أر خط المستر سيمور في حياتي، وأنني لم ألتق به غير مرة واحدة في العمر، وكان لقائي له في الليلة السابقة لليوم الذي أدركه الموت في غده، فلم يعرض بلا ريب رأيا ما خلال لقائنا، ولا أبدى اقتراحا، وكان اجتماعنا في محضر شخصين لا يزالان في قيد الحياة، ويعرفان هذه الوقائع كلها حق المعرفة، ولا يزال تحت يدي إقرار مكتوب منهما بها ... وأخيرا أن المستر إدورد تشبمن أحد الشريكين في مؤسسة «تشمبن وهول»، وهو لا يزال حيا يرزق، قد دون كتابه للغرض ذاته، وهو تسجيل الحقيقة، كل ما يعرفه شخصيا عن أصل الكتاب وسيرته، وعن بشاعة هذه الدعوى التي لا أساس لها، وأورد من التفاصيل ما يدل في ذاته ووضوحه على استحالة احتوائها شيئا من الحق، ولست أريد - عملا بما أخذت نفسي به - أن أنقل هنا رواية المستر إدورد تشبمن لما قابل به شريكه الراحل في إحدى المناسبات، هذا الادعاء الذي أسلفت ذكره.
أما «بوز»
BOZ ، ذلك التوقيع الذي كنت أوقع به ما أكتب في «المورننج كرونكل»، و«المجلة الشهرية القديمة»، والذي كان يظهر على غلاف العدد الشهري من هذا الكتاب، وبقي دهرا طويلا بعد ذلك، فقد كان كنية أطلقت على طفل مدلل، كان أخا لي أصغر مني سنا، وكنت أدعوه «موزيس»؛ تكريما ل «قسيس وكفيلد»، فاستحالت هذه الكلمة عند النطق بها مزاحا من الأنف إلى «بوزس»، ثم أصبحت بعد اختصارها «بوز»، وكانت هذه اللفظة مألوفة في أفق بيتنا قبل أن أصبح «مؤلفا» بوقت طويل؛ فاتخذتها لنفسي توقيعا.
وقد لوحظ عن المستر بكوك أن شيئا من التغير طرأ قطعا على شخصيته؛ في سياق هذه الصفحات واطرادها، فقد أصبح أكثر طيبة، وأوفر عقلا، ولست أعتقد أن هذا التغير سيبدو مفتعلا أو متعملا لقرائي إذا هم تذكروا أن خواص رجل أوتي شيئا من غرابة الأفكار، ونواحي شذوذه، هي في الحياة أول ما ينطبع فينا عامة منه، وأننا لا نبدأ عادة ننظر إلى ما تحت الظواهر البادية لأعيننا منه، وندرك النواحي المثلى التي ينطوي عليها، إلا بعد أن نزداد معرفة به، ومتابعة لدقائق شخصيته.
ولكيلا يغيب عن فطنة فريق من سليمي النية الفارق بين الدين في جوهره، والترائي به، وبين التقوى وادعائها، وبين الاحترام المقترن بالخشوع للحقائق الجليلة التي جاءت في الكتاب المقدس، وبين إقحام حرفيته لا روحه إقحاما منطويا على الجرأة، ومثيرا للاشمئزاز في أحقر شئون الحياة وأبسط مسائلها وأدعاها إلى الخلاف، وما يؤدي إليه من البلبلة المتناهية لعقول السذج والجاهلين ... لكيلا تغيب عن فطنة بعض حسني القصد، وكان ذلك جائزا عند أمثالهم قبل أن يصدر من عهد قريب كتاب
OLD MORTALITY «الوفيات القديمة» هذه الفروق التي ذكرتها، أقول لهم: إنني في هذا الكتاب إنما سخرت من الرياء في الدين لا من الدين ذاته، وتهكمت بادعاء التقوى لا بالتقوى عينها، وهجوت الذين يعبدون الله على حرف، دون الذين يستمسكون بروح الكتاب المنزل ومعانيه، كما أضيف إلى ذلك أن كل هذا الذي تعرضت له بالسخرية والتهكم والهجاء، قد دلت التجارب والمشاهدات كلها على أنه لا يتفق مع الدين والتقوى وسلامة التناول لتعاليم الدين وأصوله، وأنه من المستحيل أن يتحدا، وأنه من أشد الأكاذيب أذى في المجتمع، وأبلغها على الناس ضررا، سواء اتخذت مقرها اليوم في قاعة إكستر، أو كنيسة «أينزر»، أو فيهما معا، ولعل هذا الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى كلمة تقال فيه، أو ملاحظة تعرض بسبيله، ولكن الواقع أنه ليس ثمة بد في كل حين من التنديد بهذا العبث السمج بالمقدسات، الذي نرى الخوض فيه مترددا على الشفاه، ولا يتأثر به القلب، أو بهذا الخلط بين المسيحية وبين أية طبقة من أولئك الذين وصفهم «سويفت» بقوله: إن لديهم من الدين ما يكفي لأن يتباغضوا، ولا يكفي لأن يجعلهم متحابين.
وقد وجدت من دواعي العجب والاغتباط، حين عدت أتصفح هذا الكتاب في طبعة جديدة، طائفة كبيرة الشأن من وجوه الإصلاح الاجتماعي قد تمت بصورة لا تكاد تحس، منذ كتبت هذه الفصول في الأصل، وإن كان التسامح مع المحامين، ومدى الوسائل والأساليب البارعة في تضليل هيئة المحلفين، لا يزالان بحاجة ماسة إلى التعديل، كما لا يزال إصلاح نظام الانتخابات البرلمانية - بل لعل البرلمانات ذاتها أيضا - في حدود الممكنات، ولكن الإصلاح الذي تناول القضاء قد قلم أظفار أمثال «دودين وفج» بين طائفة المحامين، وانتشرت بين وكلائهم وكتبتهم روح الاحترام الذاتي، والأناة والتعليم، والتعاون على هذه الغايات الكريمة والأهداف الحسنة، وتم التقريب بين البقاع النائية والأماكن القاصية ؛ لراحة الجمهور وفائدته، كما تغيرت القوانين المتعلقة بالحبس من أجل الديون، وهدم سجن «فليت»؛ مما يرجى أن يقضي مع مر الزمن على جملة من الأحقاد الصغيرة، وضروب العمى، وصنوف المساوئ التي ظل الجمهور أبدا ضحيتها دون أحد سواه.
ومن يدري لعلنا - قبل أن تصل هذه السلسلة التي ننشرها تباعا إلى ختامها - واجدون أنه قد أصبح في الحواضر والريف قضاة مدربون على أن يصافحوا كل يوم يد البداهة، ويهزون كف العدل، وأن «قوانين الفقراء» نفسها ستأخذ بالرحمة معاشر الضعفاء والشيوخ البائسين، وأن يؤمن الناس بأن المدارس، ومعاهد العلم المؤسسة على مبادئ المسيحية السمحة، هي أجمل ما يزين هذه البلاد المتحضرة طولا وعرضا، وأن يحكم رتاج السجون من الخارج بذلك الإحكام والتدقيق اللذين يحكم بهما رتاجها من الداخل، وأن يصبح تعميم وسائل النظافة والصحة حقا لأفقر أهل الفاقة - كما هي اليوم أمر لا غناء عنه لسلامة أهل الغنى، وأمن الدولة - وأن هذه الهيئات الصغيرة والإدارات القليلة التي لا تزال أقل من قطرات في بحر البشرية الخضم الذي يهدر ويزأر من حولها، لا تدع الحمى وذات الرئة طليقتين تصيبان خلق الله كما تشاءان، أو تاركين رباباتها ومعازفها الصغيرة ترسل أنغامها أبدا لتستقبل رقصة الموت ...
عن المؤلف
Shafi da ba'a sani ba
روائي إنجليزي ذائع الصيت ولد سنة 1812 لأب مسرف أوقعه التبذير في الدين وألقى به في السجن فساءت حال أسرته، واضطر دكنز أن يتلمس أسباب العيش منذ حداثته؛ تارة عاملا أجيرا، وتارة موظفا صغيرا في مكاتب المحامين، غير أن أول فتوحه في الكتابة جاء من اشتغاله مخبرا صحفيا يكتب النبذة القصيرة للصحف والمجلات عن أهم الشخصيات والأحداث الجارية، وأخذ ينشر مذكرات بكوك في فصول شهرية حتى تألق نجمه فتهافت عليه الناشرون وأخرج من الروايات عددا وافرا مثل «أوليفر تويست»، «دافيد كوبرفيلد» ... إلخ.
وقد برع دكنز أيما براعة في الأسلوب القصصي، وكان يصف شخوصه وصفا دقيقا ويرسم حركاتهم ويتعمق دراسة أخلاقهم وسرائرهم من حمق وكبرياء وقسوة وأنانية. وتصور رواياته ذكرياته الخاصة عن أشخاص صادفهم أو أحداث مرت به، غير أن خياله الخصيب استطاع أن يخلق من الأفراد العاديين شخوصا روائية مثيرة، وأن يصور الحوادث العابرة تصويرا رائعا يلمسه القارئ لمذكرات بكوك، غير أن ذلك لم يمنعه في كثير من الأحيان من دراسة الناس دراسة واقعية، فاستطاع بذلك أن يمزج الحقيقة بالخيال.
وقد اهتم دكنز بنقد مساوئ العهد الذي كان يعيش فيه؛ سواء في التربية أو الحكم البرلماني، أو الحياة الاقتصادية، كما دعا جاهدا إلى البر والخلق الطيب، ونادى بتسوية المشكلات الصناعية عن طريق التوفيق بين العمال وأصحاب العمل، وكان حبه للخير ومقدرته على إثارة العطف والرثاء من أهم ما حبب قراءه فيه. وظل دكنز يشتغل بكتابة القصص والتحرير في الصحف والمجلات حتى مات عام 1870.
الفصل الأول
أعضاء نادي بكوك
كان أول خيط من الضياء يبدد الظلام، ويجلو بنوره الباهر ذلك الغموض الذي أحاط بمطالع تاريخ حياة «بكوك» الخالد، وبداية سيرته، يرجع إلى قراءة الفقرات التالية من محاضر جلسات نادي بكوك، وهي فقرات يسر ناشر هذه المذكرات أشد السرور أن يضعها بين أيدي قرائه؛ دليلا على العناية البالغة، والجهد الذي لا يعرف الكلال، والحصافة المدققة التي توخاها في بحثه بين عديد الوثائق وتنقيبه.
وإليك هذه الفقرات:
12 مايو سنة 1827 - برياسة المستر جوزيف اسمجز نائب الرئيس الدائم، وعضو نادي بكوك.
تقرر بالإجماع الموافقة على القرارات الآتية:
بعد أن استمعت الهيئة بارتياح خالص وموافقة تامة إلى المذكرة التي قدمها المستر صمويل بكوك الرئيس العام للنادي، بعنوان: «آراء ونظرات في منبع بحيرات هامستد وغدرانها، مع بعض الملاحظات على نظرية الزقزوق»،
Shafi da ba'a sani ba
1
تود الهيئة هنا أن تقدم أصدق شكرها للمستر صمويل بكوك الآنف الذكر على هذا البحث.
والهيئة إذ تدرك عميق الإدراك مدى الفوائد التي ستعود حتما على العلم من هذا البحث الذي سلف ذكره، وجملة الحسنات الأخرى للبحوث والدراسات التي عقدها بدأب لا يعرف الكلال المستر صمويل بكوك الرئيس العام، وعضو نادي بكوك في هورنزي، وهايجت، وبريكستن، وكامبرول، لا يسعها إلا أن ترجو رجاء صادقا أن تؤدي حتما بحوث هذا العلامة إلى فوائد لا تقدر ، ومنافع لا تحصى، في ميدان أوسع مدى، إذا هو مد نطاق أسفاره، ومن ثم وسع أفق نظراته وملاحظاته في سبيل تقدم العلم ونشر المعارف.
وعلى ضوء هذا الرأي الذي ذكرناه، نظرت الهيئة بعين الجد والاعتبار في الاقتراح المقدم من المستر صمويل بكوك الآنف الذكر، والرئيس العام للنادي وأحد أعضائه، بالاشتراك مع ثلاثة أعضاء آخرين في النادي - سيأتي بعد ذكرهم - بشأن تأليف فرع جديد «لرابطة البكوكيين»، يدعى «شعبة المراسلين في نادي بكوك».
وقد حاز الاقتراح المذكور من الهيئة الموافقة والقبول، وبذلك تم تأليف شعبة المراسلين في النادي، وتعيين المستر صمويل بكوك الرئيس العام وعضو النادي، والمستر تراسي طبمن، والمستر أوجستس سنود جراس، والمستر نثنايل ونكل، العضوين بالنادي - أعضاء في هذه الشعبة، مع رجائهم أن يقدموا إلى النادي بمقره من وقت إلى آخر بيانات معتمدة عن أسفارهم وتحقيقاتهم، وملاحظاتهم على الأشخاص وأوجه السلوك، وكل ما يتعلق بالأحداث التي تقع لهم، مقترنة بكل النوادر، والقصص والمذكرات عن مختلف المشاهد والربوع، وما يتصل بها.
وقد تلقت هذه الهيئة بالعرفان الخالص الاقتراح القاضي بأن يقوم كل عضو من أعضاء «شعبة المراسلين» بأداء نفقات سفره، ولا مانع لديها إطلاقا من أن يواصل أعضاء الشعبة المذكورة بحوثهم لأية فترة من الوقت يشاءون بهذه الشروط ذاتها.
وقد أبلغ أعضاء شعبة المراسلين السالفة الذكر أن الاقتراح المقدم منهم بشأن قيامهم بأداء أجور البريد عن رسالاتهم، ونقل طرودهم، قد تم بحثه ومناقشته في هذه الهيئة، وترى أنه اقتراح جدير بأن يصدر من العقول الكبيرة التي تفتق عنها، وأنها تسجل هنا موافقتها التامة عليه.
وقد أضاف الأمين الذي ندين لملاحظاته بالبيان التالي، يقول: إن كل ملاحظ عابر لا يرى شيئا غير مألوف في ذلك الرأس الأصلع، والمنظار المستدير اللذين ظلا متجهين نحو وجهه «أي وجه الأمين» في أثناء تلاوته للقرارات التي سلف ذكرها، وأن هذا المنظر كان حقا ممتعا لكل من عرفوا أن عقل بكوك الجبار كان يشتغل خلف تلك الجبهة، وأن عينيه المشعتين كانتا تبرقان من وراء ذلك المنظار، وقد جلس ذلك الرجل الذي اقتفى مجرى تلك البحيرات العظيمة في هامستد حتى منبعها، وهز دنيا العلم بنظريته عن السمك «الزقزوق»، جلس ذلك الرجل هادئا لا يتحرك كمياه تلك البحيرات في عمق غورها، في يوم شديد الصقيع، أو كسمكة من تلك الأسماك في أدق زاوية من زوايا جرة من الصلصال، وقد ازداد هذا المنظر متعة، واشتد تشويقا، حين هبت الأصوات مرة واحدة من أفواه مريديه، تدعوه إلى إلقاء كلمة، وحين صعد ذلك الرجل الأمجد برفق إلى ذلك المقعد، «الوندسور» الذي كان من قبل جالسا فيه، وراح يخطب أهل النادي الذي كان هو مؤسسه، لقد كان ذلك منظرا مثيرا خليقا بدراسة فنان! فقد انثنى بكوك المفوه البليغ، وكانت إحدى يديه مختفية بشكل جميل خلف ذيل ردائه، والأخرى يلوح بها في الفضاء، يستعين على إلقاء خطبته الحماسية المتأججة، وقد كشفت وقفته المشرئبة عن حمائله، ولو أن تلك الحمائل ورباطي ساقيه كانت على رجل عادي، لجاز أن تمر دون ملاحظة، ولكنها على المستر بكوك - إذا جاز لنا هذا التعبير - كانت تثير الرهبة اختيارا لا افتعالا، وتدعو إلى الاحترام والإكبار، وقد أحاط به في مجلسه هذا أولئك الذين تطوعوا لمقاسمته أخطار أسفاره ورحلاته، والذين قدر لهم أن يشاركوه في مجد اكتشافاته، وعن يمينه جلس المستر تراسي طبمن ... طبمن المفرط في رقة الإحساس، والذي جمع إلى حكمة الشيب وحنكته، حماسة الشباب وحرارته، في أمتع مواطن الضعف البشري وأدعاها إلى الغفران ... وهو الحب، وقد اصطلح الزمان والغذاء الطيب على تسمين ذلك القوام الذي كان «قواما ممشوقا روائيا» في يوم من الأيام؛ فأصبح «صداره» الحريري الأسود أكثر على الدهر اتساعا، وأخذت سلسلة ساعته الذهبية تختفي من تحته، وتتوارى شيئا فشيئا من مرمى نظره، وبدأ ذقنه الرحيب يجور على حدود ربطة عنقه البيضاء، أما روحه ذاتها، فلم يطرأ عليها تحول ولا تبديل، وظل إعجابه بالجنس اللطيف العاطفة المتحكمة فيه. وعن يسار الزعيم العظيم جلس «سنود جراس» الذي أوتي نزعة شاعرية، وبجواره كذلك جلس الرياضي «ونكل»، وقد بدا أولهما في شكل شعري مرتديا «سترة» زرقاء غريبة، ذات طوق «ياقة» في مثل جلد الكلاب، وأما الآخر فقد أضاف بريقا ظاهرا على سترة صيد جديدة خضراء اللون، وربطة رقبة من صوف مخطط، وسروال ضيق لاصق ببدنه.
وقد سجلت خطبة المستر بكوك بهذه المناسبة والمناقشات التي دارت حولها في محاضر جلسات النادي، وهي شبيهة إلى حد بالغ بالمناقشات التي تدور في الهيئات الشهيرة الأخرى، ولما كان من الممتع تتبع وجوه الشبه بين تصرفات العظماء، فقد رأينا أن ننقل ما ورد في المحضر إلى هذه الصفحات.
كتب الأمين يقول: إن المستر بكوك لاحظ أن الشهرة عزيزة على قلب كل إنسان، فالشهرة الشعرية عزيزة على قلب صديقه «سنود جراس»، والشهرة بغزو الأفئدة عزيزة كذلك على قلب صديقه «طبمن»، والرغبة في كسب الشهرة في ميدان الصيد، برا وجوا وعلى الماء، أعز ما تكون مكانا من صدر صديقه «ونكل»، وأنه «أي المستر بكوك» لا يريد أن ينكر سلطان العواطف البشرية، وأثر الأحاسيس الإنسانية في نفسه «هتاف»، ولعله تأثر بمواطن الضعف البشري فيه «صيحات: حاشا»، ولكنه يجب أن يقول إنه إذا اشتعلت يوما في صدره نار الاهتمام بالذات، فإن إيثار الرغبة في نفع البشر كفيل فعلا بإخمادها، وإن مدح الجنس البشري هو ما يهتز له طربا، وحب الخير هو الضمان الكفيل به «هتاف حاد»، وإنه ليعترف بأنه قد شعر بشيء من الاعتزاز - وليستغل خصومه هذا القول ما شاء لهم الاستغلال - وهو معترف بهذا الشعور صراحة، أي نعم ... لقد شعر بشيء من الاعتزاز عندما قدم إلى العالم مذكرته بشأن نظرية السمك الزقزوق، ومن الجائز أن تحتفل الدنيا بها، أو لا تحتفل، «هتاف: تحتفل ... وتصفيق شديد»، وإنه ليلم بما أعلنه هذا البكوكي الموقر الذي سمع اللحظة صوته، وهو أنها قد احتفلت بها، ولكن إذا قيض لهذا البحث أن تمتد شهرته إلى أقصى حدود العالم المعروف، فإن الفخار الذي سوف ينظر به إلى وضع هذا المؤلف لا يقارن إطلاقا بذلك الفخار الذي ينظر به إلى ما حوله، في هذه الساعة التي يعدها أعز اللحظات في حياته «هتاف»، وهو رجل قليل الشأن، «حاشا ... حاشا»، ولكنه مع ذلك لا يسعه إلا أن يشعر بأنهم قد اختاروه لعمل عظيم، لا يخلو من بعض الخطر؛ فإن السفر ليس مأمونا، وعقول الحوذية غير موزونة ولا مستقرة، فلينظروا إلى الخارج، وليتأملوا المشاهد التي تجري من حولهم، فإن المركبات العامة تنقلب في كل ناحية، والخيل تحرن، والمراكب تنكفئ عاليها سافلها، والمراجل تنفجر «هتاف وصوت يصيح: كلا! كلا! هتاف»، فليتقدم حضرة العضو المبجل الذي صاح بقوله: «كلا»، ولينكر إن استطاع إلى الإنكار سبيلا، «هتاف» من هو الذي صاح «كلا»؟ «هتاف حماسي»، أهو رجل مغرور فاشل خائب - ولا أقول «بائع خردة» - «هتاف مدو»، أحس عقارب الغيرة تدب فيه من المذيع الذي وجه إلى بحوثه - أي بحوث المستر بكوك - وقد يكون غير جدير به، وأخذ يتلوى من حرقة الحملات التي توالت على محاولاته هو الضعيفة في ميدان المنافسة؛ فلجأ الآن إلى هذا الأسلوب الخبيث من الثلب والافتراء.
Shafi da ba'a sani ba
فقاطعه المستر بلوتن (من سكان أولدجيت)، ووجه إليه السؤال: هل حضرة العضو المبجل يعنيني بهذا التلميح؟ «صيحات: النظام ... الرياسة ... نعم ... كلا ... استمر ... دعوه يتكلم.»
ولكن المستر بكوك قال إنه ليس بالرجل الذي يسكته الصياح، وتثنيه الضجة عن مراده، فهو فعلا قد عنى بتلميحه السيد المحترم «ضجة عامة».
وقال المستر بلوتن إنه لا يقبل هذا الاتهام الباطل البذيء الذي اتهمه به السيد المحترم، بل يقابل هذا الاتهام باحتقار بالغ «هتاف شديد»، إن السيد المحترم مخادع «ضجيج وصيحات عالية: الرياسة ... النظام».
وهنا انبرى المستر أ. سنودجراس فألقى بنفسه على المقعد، وقال إنه يود أن يعرف هل يصح أن يسمح المجلس بأن يستمر هذا الخلاف المعيب بين عضوين من أعضاء النادي ... «مرحى ... مرحى!»
وقال الرئيس إنه واثق من أن العضو المحترم سيسحب التعبير الذي لجأ إليه منذ لحظة.
وأجاب المستر بلوتن بأنه مع احترامه العظيم للرياسة على يقين من أنه لن يسحبه.
وهنا أعلن الرئيس أنه يرى من واجبه المحتم أن يسأل السيد المحترم: هل استخدم هذا التعبير الذي أفلت اللحظة مني بالمعنى المتعارف؟
فلم يتردد المستر بلوتن في القول بأنه لم يقصد هذا المعنى، ولكنه استخدمه بمعناه «البكوكي» - «مرحى ... مرحى ...» - وأنه يجد لزاما عليه أن يعترف شخصيا بأنه يكن للسيد المبجل أرفع الاعتبار وأسمى التقدير، وأنه إنما عده «مخادعا» من وجهة النظر «البكوكية»، «مرحي ... مرحي ...»
وقال المستر بكوك إنه قد سر كثيرا بهذا التفسير الطيب الصريح التام من صديقه المبجل، وإنه يرجو أن يكون مفهوما في التو واللحظة أنه لم يكن يقصد بملاحظاته إلا تعبيرا «بكوكيا» ... «هتاف».
إلى هنا تنتهي الفقرات المقتطفة من المحضر، ولا يخامرنا الشك في أن المناقشة انتهت عند هذا الحد أيضا، بعد أن وصلت إلى هذه النقطة الموفقة الواضحة كل التوفيق والإيضاح، وليس لدينا بيان رسمي بالوقائع التي سيجدها القارئ مدونة في الفصل التالي، ولكنها بيانات جمعت بعناية من رسائل ومخطوطات أخرى، لا يختلف اثنان في صحتها وصدقها؛ مما يبرر روايتها في حلقات متصلة ...
Shafi da ba'a sani ba
اسم نوع من الأسماك.
الفصل الثاني
اليوم الأول من أيام الرحلة ... والأحداث التي جرت في مسائه ... والنتائج التي أسفرت عنها ... ***
طلعت الشمس، وهي الخادم المثابر في خدمة كل عمل، وبدأت تلقي ضياء على صبح اليوم الثالث عشر من شهر مايو سنة ألف وثمانمائة وسبع وعشرين، حين انبعث المستر صمويل بكوك من نومه، وأطل على العالم المترامي من تحته، وكان شارع «جوزول» عند قدميه، ممتدا عن يمينه إلى آخر مدى العين، ومتراميا عن شماله، وكان الجانب المقابل لهذا الشارع في الجهة الأخرى من الطريق، وراح المستر بكوك يناجي خاطره بقوله: «كذلك هي آراء الفلاسفة الضيقي النظر، الذين يقنعون بفحص الأشياء المترامية أمامهم، ولا ينظرون إلى الحقائق المحجوبة عنهم فيما وراء حدود أبصارهم، كما لو أني قنعت بإدامة النظر إلى شارع جوزول، دون أن أحاول مرة أن أخترق الربوع المحجوبة، التي تحيط به من كل ناحية.»
وما كاد المستر بكوك يتفوه بهذا الخاطر الجميل، حتى شرع يضع نفسه في ثيابه، ويضع ثيابه في حقيبته، وقلما ترى العظماء مدققين في تنسيق ملبسهم، ولم تلبث عملية الحلاقة واللبس ورشف القهوة أن تمت، وما هي إلا ساعة أخرى حتى كان المستر بكوك قد حمل حقيبته بيده، ووضع منظاره المعظم في جيب معطفه، و«مذكرته» في جيب صداره، وتهيأ لاستقبال أي اكتشافات جديرة بالتدوين، وقد وصل إلى موقف المركبات في شارع سانت مارتن موجراند.
وصاح المستر بكوك مناديا: «مركبة.»
وسمع صوتا يصرخ قائلا: «لبيك يا سيدي!»، وكان الصائح مخلوقا عجيبا، في سترة من الخيش، وميدعة من النوع ذاته، ولافتة من نحاس ذات رقوم حول رقبته، وقد بدا كأنه بعض المعروضات في مجموعة من التحف النادرة، وكان هذا هو «ساقي الخيل»، ومضى يردد قوله: «لبيك يا سيدي! حالا تأتي المركبة.» ولم يكد الساقي يحضر المركبة الأولى - وكان الحوذي قد ذهب إلى المقهى ليدخن قصبته الأولى - حتى ألقى المستر بكوك وحقيبته في جوفها.
وقال المستر بكوك: «مفترق جولدن.»
فصاح الحوذي في غضب مخاطبا صديقه الساقي: «تلك مسافة لا تزيد عن شلن يا تومي.»
وانطلقت العربة مبعدة.
Shafi da ba'a sani ba
وأنشأ المستر بكوك يسأل السائق وهو يحك أنفه بالشلن الذي أعده لدفع الأجرة: «كم عمر هذا الحصان يا صديقي؟»
وأجاب الحوذي وهو ينظر إليه بطرف عينه: «اثنتان وأربعون.»
فصاح المستر بكوك مبهوتا، وهو يضع يده على «مذكرته»: «ماذا تقول؟» فكرر الحوذي جوابه الأول، وعندئذ أطال المستر بكوك النظر في وجه الرجل، ولكن معالم وجهه ظلت جامدة لا تتحرك، فأكب المستر بكوك على «المذكرة» يدون فيها ما سمعه.
وعاد يسأله مستزيدا: «وما مدى الوقت الذي يبقى فيه «يعمل» كل مرة؟»
فأجاب الرجل: «أسبوعان أو ثلاثة أسابيع.»
قال في دهشة، وعاد يخرج المذكرة: «أسابيع!»
ومضى الحوذي يقول ببرود: «إنه يقيم في «بنتونويل» كلما ذهبنا به إلى مسكنه، ولكننا قلما نأخذه إليه بسبب ضعفه.»
وردد المستر بكوك مرتبكا قوله: «بسبب ضعفه!»
واستتلى الحوذي يقول: «إنه يسقط كلما أخرجناه من المركبة، ولكنه كلما كان مشدودا إليها، ممسوكا بحزم، مربوطا بإحكام، لا يستطيع السقوط، ولدينا زوج من العجلات المتينة فهي تتحرك في أثره إذا هو تحرك، فلا حيلة له غير المسير.»
وراح المستر بكوك يدون كل كلمة من هذا البيان في مذكرته؛ لإبلاغها إلى النادي، على أنها مثل فريد لقوة التشبث بالحياة عند الخيل في ظروف مجهدة، وما كاد يفرغ من التدوين حتى وصلت المركبة إلى «مفترق جولدن»؛ فوثب الحوذي من فوق مقعده، ونزل المستر بكوك من المركبة، وتسابق السيد طمبن، والمستر سنودجراس، والمستر ونكل إلى الترحيب به، وكانوا في لهفة ينتظرون وصول زعميهم المجيد.
Shafi da ba'a sani ba
ومد المستر بكوك يده بالشلن إلى الحوذي قائلا: «إليك أجرتك.»
ولشد ما كانت دهشة العالم؛ إذ رأى ذلك المخلوق غير المسئول يلقي بالشلن على الإفريز، ويطلب بالكناية والمجاز السماح له بمتعة الدخول معه - أي مع المستر بكوك - في عراك، نظير هذا القدر، فصاح المستر سنودجراس: «أنت مجنون.»
وقال المستر ونكل: «أو سكران.»
وقال المستر طبمن: «أو كلاهما.»
وقال الحوذي مبادرا إلى المناوشة: «هيا ... هيا ادخلوا لي أنتم الأربعة كلكم.»
وصرخ بضعة حوذية قائلين: «ذلك أمر عجيب! هيا يا سام اشتغل»، وأقبلوا في فرح بالغ يحيطون بالجمع.
وانبرى سيد في أكمام سود من البعثة يسأل السائق: ما سبب هذه «المعركة» يا سام؟
قال الحوذي: «عركة! لماذا يريد أن يدون (رقمي)؟»
وقال المستر بكوك في دهشة: «أنا لم أرد أن أدون (رقمك).»
فعاد الحوذي يسأله قائلا: «لماذا دونتها إذن؟»
Shafi da ba'a sani ba