وهذا المقال أنما هو في مقام المماشاة ، والا قلنا ان نختار ما سياتي من الغزالي والقاضي الباقلاني ، من أن الآيات كلها في أعلا درجات مقامات الفصاحة والبلاغة ، وان اختلفت جهات إظهار الفصاحة والبلاغة فيها ، بحسب اختلاف المقامات.
فانه لا شك ان البلاغة تقتضي ان يتكلم في كل مقام ، بما يقتضيه الحال ، من الاسلوب واللفظ وغيرهما ، فقد يكون مقتضى الحال تادية المراد بطريق الكناية ، وقد يكون مقتضاه تاديته بطريق الاستعارة ، الى غير ذلك من صنوف الكلام ، وضروب بيان المرام.
فالفصاحة الحاصلة في الكلام المشتمل على التصريح ، مثل قوله تعالى : ( أحصنت فرجها )، والحاصلة في الكلام المشتمل على التعريض مثل قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) و ( من قبل أن تمسوهن ) بحسب مقامهما.
فان الاول : في مقام تنزيه مريم عما نسبه اليها اليهود من الزنا الملازم لكون عيسى ولد الزناء ، فالمقام بأهميتها يقتضي التصريح بما ينفي ذلك ، وذلك لا يحصل الا بما ذكر في الاية من كونها محصنة لفرجها ، لا بغيره من الصفات الحسنة في النساء.
بخلاف الثاني : فإنها في مقام جعل حكم متفرع على الجماع او عدمه ، فلا يحتاج ذلك الى التصريح به كما هو معلوم عند من له ذوق سليم وعقل مستقيم ، وإن كان الثاني أبلغ وألطف فتأمل.
وكذا الكلام بالنسبة الى الحقيقة والمجاز وغيرهما ، فلا يكون القرآن مشتملا على الفصيح والافصح ، والبليغ والابلغ ، بل الكل
Shafi 58