317

فيه بحال من الأحوال ، لأنه اذا تحقق «حد الفصاحة» وعرف ما هي لم يبق في اللفظ الذي يختص به خلاف : الوجه الآخر : انه اذا جىء بلفظ قبيح ، ينبو عنه السمع ، وهو مع ذلك ظاهر بين ، ينبغي ان يكون فصيحا.

وليس كذلك ، لأن «الفصاحة» وصف «حسن» للفظ لا وصف «قبح».

فهذه الاعتراضات الثلاثة ، واردة على قول القائل : ان اللفظ الفصيح هو الظاهر البين من غير تفصيل.

ولما وقفت على اقوال الناس في هذا الباب ملكتني الحيرة فيها ولم يثبت عندي منها ما اعول عليه ، ولكثرة ملابستي هذا الفن ، ومعاركتي اياه ، انكشف لي السر فيه ، وساوضحه في كتابي هذا. واحقق القول فيه ، فاقول :

ان الكلام الفصيح : هو الظاهر البين ، واعني بالظاهر البين : ان تكون ألفاظه مفهومة ، لا يحتاج في فهمنا الى استخراج من كتاب لغة ، وانما كانت بهذه الصفة ، لأنها تكون مألوفة الاستعمال بين ارباب النظم والنثر ، دائرة في كلامهم.

وانما كانت مألوفة الاستعمال ، دائرة في الكلام ، دون غيرها من الألفاظ : لمكان حسنها.

وذلك : ان ارباب النظم والنثر ، غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها ، وسبروا وقسموا ، فاختاروا الحسن من الألفاظ ، فاستعملوه ، ونفوا القبيح منها فلم يستعملوه.

فحسن الاستعمال : سبب استعمالها ، دون غيرها ، واستعمالها دون

Shafi 319