Mucawiya Ibn Abi Sufyan

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
98

Mucawiya Ibn Abi Sufyan

معاوية بن أبي سفيان

Nau'ikan

ولنا - بعد - أن نفهم أنه نشأ في الجاهلية نشأة أبناء الأسر وأصحاب الرئاسة الموروثة، وتعلم ما يتعلمونه، وتدرب على دربتهم التي ألفوها، إلا أنه كان إلى تربية التجارة والتدبير أدنى منه إلى تربية الفروسية والنضال، فلم يؤثر عنه من فعال الفروسية بعد بلوغه مبلغ الرجال فعل يميزه بدربة خاصة على فنونها المعهودة في زمنه كالمسايفة، وإصابة الهدف، والسبق على متون الخيل، والصمود للأقران في المبارزة، ولعل تربيته الفروسية لم تزد على القدر الضروري الذي يعاب الجهل به، ولا يبرز إلى مكان التنويه والتمييز.

وهذا القسط من التربية كاف لسروات الجاهلية من العاملين في مثل عمله وعمل أبيه، وهو تدبير التجارة القرشية، وحمل اللواء لحمايتها، والاستعانة بمن يصلحون لحراستها، ويذبون عنها بالسلاح إذا وجب الذب عنها.

أما بعد الإسلام فهذه التربية، أو هذه النشأة، تقترن بسؤال آخر عن نصيبه من فقه الدين والثقافة الإسلامية، ويكاد يدعو الأمر هنا إلى سؤال غير هذا السؤال في أمر الدين من أساسه، فإن أناسا من الغلاة قد شككوا في إسلامه، بل جزموا بإسلامه على دخلة ومداهنة، فهل كان لهذا الشك من مسوغ في عمله، أو كلامه بعد إسلامه مع أبيه في عام الفتح كما هو معلوم؟ •••

لقد تأخر إسلامه كما تأخر إسلام أبيه، فأسلما معا في عام الفتح وهو في نحو الثالثة والعشرين، وليس هذا التأخر بموجب للشك في عقيدته؛ لأنه يحدث في كل دين وفي كل دعوة، وينقسم الناس في جميع الدعوات الدينية والفكرية إلى مبادرين ومترددين ومتلبثين متلكئين لا يستجيبون لها إلا مع آخر مستجيب، ولا يندر بعد ذلك أن يكون المتأخر أصدق إيمانا، وأثبت عقيدة من المبادر المتقدم، وليس من الجائز أن تتخذ العادة المطردة في الاستجابة للدعوات حجة على نقيضها؛ فما كانت الدعوات قط إلا هكذا أو لا تكون.

ومعاوية بعد إسلامه لم تثبت عليه كلمة ولا فعلة تنقض تصديقه بدينه ورعايته لفروضه وشعائره: كان يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، ويقرأ القرآن ويستمع إليه، وكانت كل لفظة فاه بها وأحصيت عليه في مرض الوفاة تدل على الإيمان بلقاء الله، وعلى الإيمان بالجزاء في العالم الآخر، ومما تواتر من أحاديث الملازمين له في ساعاته الأخيرة أنه كان يحتفظ بقلامة من ظفر رسول الله، وشعرات من لحيته الشريفة، أخذها من وضوئه، وما زال محتفظا بها حتى أوصى بأن تدفن في كفنه، وكل أولئك قد يسري إليه الظن ممن تغالبه الظنون، إلا المعيشة بين الأهل والبنين حيث ينطلق المرء على سجيته، وتبدر الفلتات على الرغم من طول الحذر والمراوغة ممن لهم باطن غير ظاهرهم في العقيدة الدينية، ولا نتصور أن رجلا له باطن وظاهر في أمر العقيدة ينشأ من بيته مؤمنان تقيان، كخالد ومعاوية الثاني حفيديه؛ فإن إخفاء البواطن عشرات السنين حيث يعيش المرء على رسلته

25

أمر يفوق طاقة الإنسان.

قلنا في عقيدة صاحبه عمرو بن العاص: إنه «مسلم لا شك في إسلامه، ولا شك في طبعه، ولا شك في اختلاف الطبائع بين المعتقدين جميعا في كل دين من الأديان ورأي من الآراء، فلما فتحت له الحيطة باب التفكير في الإسلام أقبل عليه، وود لو يغنمه بريئا من عقابيل

26

الجاهلية؛ لأنه نفض يديه منها وأيقن بضلالها.» •••

Shafi da ba'a sani ba