Mucawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Nau'ikan
وفرق كذلك بين العرب والموالي، وأوشك أن ينكل بالموالي؛ ليقصيهم عن مناصب الدولة وعن الإقامة في عواصمها؛ لأنه كان يعلم أن العرب يلوذون برؤسائهم، ولا رؤساء للموالي يلوذون بهم في نقمة أو مظلمة.
وانفتح للموالي بذلك باب اللياذ بأصحاب المذاهب والدعوات؛ لأنهم رءوسهم دون الرءوس، وقادتهم دون القادة، فلم يكد داعية من الدعاة يجهر بمذهب معقول أو غير معقول إلا ألفى إلى جانبه جموعا من الموالي تصغي إليه، ووافق ذلك أن الخوارج من صميم العرب كانوا يدعون إلى مذهب في الخلافة يوافق الموالي في كل أمة؛ لأنه مذهب لا يحصر الخلافة في النسب ولا في قريش، ولا يرى لها شرطا غير التقوى والصلاح، فتفرق الموالي بين الخوارج والشيعة، ونصروا هؤلاء تارة وهؤلاء تارة أخرى؛ لأنهم جميعا يحاربون بني أمية.
واتبع هذه الخطة - خطة التفرقة - بين أهل الشام الذين تمهدت له ولايتهم من قبل الإسلام، فاستخلص لنفسه فرقة منهم لا تخرج من الشام ولا تلتقي بأحد من دعاة العراق أو الحجاز أو مصر أو إفريقية، ثم نقل إلى الشام طوائف شتى من غير أهلها، فنقل إليها طوائف الزط والسيابجة من البصرة، ونقل إلى الأردن وصور طوائف من الفرس والموالي، ونقل إلى أنطاكية أساورة
8
الموانئ بالعراق، وخلط العرب بالعجم، وهؤلاء بسلالة الشاميين في كل بقعة من بقاع البلاد التي عرفت من قديم باسم البلاد السورية.
ولم يستطع أن يستخلص قبيلة بني كلب كلها؛ لأن منهم أصهار عثمان وبيت مروان، فاستخلص منهم أخوال يزيد، وأصبحوا بعد ذلك فريقين: فريق يدعو إلى خالد بن يزيد، وفريق يدعو إلى مروان. •••
وواضح من هذه التفرقة أنه كان يكف يده عن البطش والنكاية في معاملتهم جميعا على اختلاف النسب والمقام؛ لأنه كان يغري بعضهم ببعض فيستغني بالوقيعة بينهم عن الإيقاع بهم، ولكنه على هذا كان يؤيد سياسة الإيقاع مهما يكن من قسوتها وغلظتها، كما أيدها أقسى الولاة وأغلظهم في زمانه وبعد زمانه، وكان يختار لها من يعلم أنه يفرط فيها، ولا يقتصد في شرورها وموبقاتها، ولا يبالي أن يأخذ البريء بذنب الأثيم، ولا أن ينكل بالقريب قصاصا من البعيد، وكذلك فعل واليه زياد في البصرة حيث أعلن «شريعة» حكمه، فقال في خطبته التي افتتح بها حكمه: «... إني لأقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعيد فقد هلك سعد، إياي ودلج
9
الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم، وإياي ودعوى الجاهلية؛ فإني لا أجد أحدا ادعى بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وأحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوما غرقناه، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا، فكفوا أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم لساني ويدي، وإياي لا يظهر لأحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه.
وقد كانت بيني وبين أقوام إحن،
Shafi da ba'a sani ba