وانظر إذا سمعت منه الكلمة العوراء فلا تؤنبه بها فتمحِّكه، ولكن احفظها عليه، فإذا قام من مجلسه فانقله إلى ما هو أحسن منه؛ وإذا سمعت منه الكلمة المعجبة ففطِّن القوم لها، فإنهم عسى ألا يكونوا فهموها وفهمتها باهتمامك بها، حتى يقوموا وقد سمعوا منه كلاما حسنا، ويروونه عنه، ويرفعونه به.
وإذا حضر الناس أبوابكم فعجلوا إذنهم، ثم ليحسن بشركم بهم، وأطيبوا للناس طعامهم، فإذا فرغوا من الغذاء والعشاء فمن أحب أقام للحديث من قبل نفسه، ومن أحب انصرف إلى أهله، فإن للناس حوائج عند زيارتكم، وإذا أعطيتم أهل القرآن وحملة العلم وأهل الفضل فإنكم تؤجرون على إعطائهم إلا أن يكون في سبب النجدة أو وسيلة، فإنكم ملوك، والناس سوق، وإنما تسودون الناس ويطأون أعقابكم ببارع الفضل ولين الجناح.
قال الشاعر:
فإنَّك لن ترى طردا لحرّ ... كإلصاق به بعض الهوان
ولم تجلب مودَّة ذي وفاء ... بمثل البذل أو لطف اللِّسان
وخذه بعلم نسبه في العرب حتى لا يخفى عليه منه قليل ولا كثير، وعلّمه منازل القمر، وأنواع الخطب، ومواضع الكلام، ومعرفة الجواب.
وإن هو احتبس عن تأديبه ومروّاته فادخل عليه، وإن كان من أهله في لحافه حتى تجرّ برجله إلى ما ينفعه الله به، وإياك أن تكتم عليه، فيؤدي ذلك إليّ غيرك، فأنزل لك عما يسرُّك إلى ما يضرُّك، ولا يخرجنَّ إلا معتمَّا، ولا يركبنّ محذوفا، ولا مهلوبا، ولا يعقدن له ذنب دابة إلا من لثق، ولا يركبنّ سرجا صغيرا فتبدو منه أليتاه كفعل الفسّاق، ولا يسيرنّ متلفِّتا ولا طامحا.
فخذه بهذه الخصال، وزده من عندك ما استطعت، فإني سأقيس عقله اليوم وبعد اليوم، فإن رأيته قد ازداد خيرا إلى ما كان عليه رؤي فضل أمير المؤمنين عليك، وإن كانت الأخرى فلا تلم إلا نفسك.
وقد أجريت عليك ألف درهم في كل شهر، سوى كسوتك وجتئزتك.
قالوا: وأوصى أبجر بن جابر العجليّ فقال: " يا بنيّ، إن سرّكم طول البقاء وحسن الثناء والنِّكاية في الأعداء، فإذا استقبلتم الخميس فاستقبلوهم بوجوهكم، وإياكم أن تمنحوهم أكتافكم فتطعنوا بالرماح في أدباركم، فإن أمثل القوم بقيّة الصابر عند نزول الحقائق.
وحدثنا الرياشيّ عن الأصمعي قال: قال أبجر العجليّ لابنه حجّار لما أراد الإسلام: إذا قدمت المصر فاستكثر من الصديق، فإنك على العدو قادر، وإياك والخطب فإنها نشوار كثير العثار.
قال أبو حاتم، وكان البذّال أبو العلاء، وهو من بني مازن بن عمرو بن تميم مرض، فقالوا: كيف تجدك؟ فقال: أجدني مغفورا.
قالوا: يا أبا العلاء، أوص.
قال: بما أوصي؟ ثم قال:
يا ابني حريث ارفعا وسادي ... واستوصيا بالجلَّة التِّلاد
فإنَّما حولكم الأعادي ثم قال: ما لكما عندي وصية غير هذا.
" وابنا حريث ابنا أخيه ".
وصية شبث بن ربعيّ وأوصى شبث بن ربعيّ فقال: هذا ما أوصى به شبت بم ربعي، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجواد في الجنة، وأن البخيل في النار.
انظروا ابنتي فلا تزوّجوها إلا كريما، ولا تدفنوني عند مقابر بني طهيَّة.
وصية وكيع بن أبي سود قال: وأوصى وكيع بن أبي سود، وكان أحمق الناس، وأظهر " هم " موقا، فقال: " يا بنيّ، إنيّ لو قد هلكت أتاكم قوم قد شمَّروا ثيابهم، وحلقوا شواربهم، وعفّروا جباههم، فقالوا، إن لنا على أبيكم دينا فاقضوا دين أبيكم، إلا وإنّ قبل أبيكم تبعات إن يغفرها الله له فالدّين أهون مما هنالك، وإن تكن الأخرى فلا يهلكنّ أبوكم وتذهب أموالكم ".
وصية ابن الأهتم قال لما ثقل ابن الأهتم أظهر ماله ودعا بنيه، فقال: " يا بنيّ، دُونكم، فقد كفيتكم كدَّه، وصفا لكم ما اشتهيتم منه، وإنما جمعته لنبوة الزمان، وجفوة السلطان، ومباهاة العشيرة، وأيم الله لوددت أنه كان بين صلعي حمار بالفلاة، أو بقراء مقحل ".
وصية المهلب قال: ولما حضرت المهلب الوفاة جمع بنيه فقال:
1 / 44