معترض لِعَنَنِ لم يعنيه ... أَدرك مال غيره بجنبه
فاحتاز شيئا لم يكن من ظنَّه ... كأَنَّما يحتاز ماء شنِّه
قالوا: وعاش جروة بن يزيد الطائي، وكان ينزل بلخ خراسان، نزلها أيام عبد الله بن عامر، وهو ابن قريب من مائة سنة، وقتل مع سورة بن أَبجر، وهو أشل اليد اليسرى، ضربت يده يوم زحف التُّرك إلى الأحنف بن قيس، فشلّت يده، فأعطاه الأحنف دِيتَهَا، ومتب إلى ابن عامر فأعطاه ديتها أيضا، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وكتب إلى الأحنف: كافئ على البلاء فإنَّ الله يحبَّ الشَّاكرين.
وكان يكثر الغزو، وهو شيخ كبير، وكان لا يليق شيئا سخاء، وكان شجاعا مسيَّعا وهو الذي يقول:
تلوم حليلتي بالغزو جهلا ... وغرُ الغرور أَولى بالملام
ولولا الغزو كنت كمن يغادى ... بأنواع الشَّبارق والمُدام
" الشبارق الطعام، لفظ فارسي معرب ".
قليا الهمِّ يزهدُ في المعالي ... ويرضى بالقليل من الطَّعام
فهمِّي غير همِّكِ فاتركيني ... وغزوي، إنَّه همُّ الكرام
سأَغزو التُّرك إِنَّ لهم عُراما ... وبأسا حين تزحف للزِّحام
هو الومت الزُّؤام إَذا تنادوا ... لحرب يستطار لها عُقام
حدثنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيد قال، الزؤام الموت الوحيّ.
تراهم في الحديد كأُسدِ غاب ... على جرد عوابي كالجلام
طووها للغوار فأَضمروها ... فاضت لا تضجُّ من الكلام
ولا تنحاش من ذعر ولا من ... مباشرة الأَسنَّة والسِّهام
وعندي حين أَغزوهم عتاد ... عتيد، كلُّ مصقول حسام
وكلُّ طمرَّة مرطى سبوح ... أَمام الخيل ظاهرة القسام
وكل مثقفَّ لدن عسول ... عليه مثل نبراس النِّهام
إِذا أَنحيته في القرن أَصمى ... ولا ينئد للحلق التُّؤَام
لا ينئد لا ينثني، والتؤام يعني حلقتين، وهذه دروع حلقُها مضاعف.
وفتيان إِذا ندبوا لحرب ... تمشُّوا مشية الإبل الهيام
يرون عليهم لله حقَّا ... مقارعة الطَّماطمة الطَّغام
يريدون المثوبة من إله ... بصير تحت قسطال القتام
قسطال، غبار.
وكلُّهم يرادي التُّرك قدما ... ويحوى منفسا في كلِّ عام
ويرجو الله لا يرجو سواه ... وراجي الله يرجع بالسَّلام
وقالت قد كبرت فقلت كلاّ ... وربِّ البيت والشَّهر الحرام
لقد أَبطلت، ما كبري بمُدبي ... إلىَّ حليلتي، قدر الحمام
سأَغزو أَو أَموت كذا خفاتا ... ولا آتى بداهية وذام
فإنَّ الدَّهر يلعب أَبرديه ... بكلّ مذمَّم جلد العظام
ويترك كلَّ مضعوف جريء ... على الأَبطال يعرف بالزَّحام
وهو الذي يقول لامرأته:
وقالت قد كبرت، وقلت حقَّا ... كبرت، فكفكفي ودعي عتابي
عتابك كلَّ يوم لي عذاب ... ومثلي لا يقرُّ على العذاب
فإن لم تصبري وكرهت قربي ... فدونك ما أَردت من اجتنابي
سأَغزو التَّرك في نفرٍ كرام ... سراع حين ندعى للضِّراب
يرون الموت أَفضل من حياة ... تُصيِّرها الدُّهور إِلى تباب
وفي الأَيَّام لي عظة وناه ... وما أَرضى معاتبة الكَعابِ
لأَنِّي أَطلب الأَمر الَّذي لا ... ينال بغير ضرب للرِّقاب
فيا ليت السيوف تعاورتني ... بأَيدي معشر كأُسود غاب
فأَلقى الموت مشتهرا فعالي ... ولم تدنس بمخزية ثيابي
وكُفِّى طلَّتي وتجنَّبيني ... وكلُّ العيش ويحك للذَّهاب
وقد أغدو أقود إلى المنايا ... فتوَّا زجرهم بهل وهاب
إذا ما عاينوا موتا زؤاما ... تمشَّوا مشية الإبل الطَّراب
ررجاء أن تصيبهم المنايا فينجوا من أليمات العقاب وقال أيضا:
1 / 22