قالوا: وما حتّى؟ قال: حتى يرجع الميت حيا ويعود لاشيء شيئا، ولذلك خلقت الأرض والسموات.
فتولوا عنه ذاهبين.
فقال: ويل أمَّها نصيحة، ولو كان لها من يقبلها بقبولها.
قالوا: وعاش سمعان بن هبيرة، وهو أبو السَّمال الأسدي سبعا وستين ومائة سنة.
وهو الذي يقول:
وهادئة من شيبتي وتحنُّني ... وطول قعودي بالوصيد أُفكِّرُ
تقول فنى سمعان بعد اعتداله ... وبعد سواد الرأس فالرأس أَزعرُ
فقلت لها، لا تهزئي إِنَّ قصرك المنايا، ... وريب الدَّهر بالمرء يغدرُ
فكم من صحيح عاش دهرا بنعمة ... فحل به يوم أَغرُّ مشهرَّ
فصار لقي في البيت لا يبرح الفنا ... رذيَّا عليه كآبة وتوقُّرُ
وقد كان مدلاجا إلى المجد متعبا ... إليه المطايا عمرهُ ليس يفترُ
فلما ترامته المنايا وريبها ... تقوَّس الظَّهر فالخطوُ مُقصرُ
" كذا قال أبو حاتم مقصر، وهو غلط، لأنه لا يقال: أقصر الخطوُ، إنما يقال قصر، ويجوز فالخطو مقصر، فجعل المصدر " الميمي " صفة للخطو ".
وعاد كفرخ النَّسر أعمى عن الَّتي ... يريد الدَّهر يهذي ويهدر
فإن أَكُ شيخا فانينا فلربما ... أَصبت الَّذي أَقوى وما كنت أَحذرُ
وربَّ خيور جمَّة قد لقيتُها ... وشر كثير عن شواتى تحدَّر
" شواته جلدة رأسه ".
وخيل دعتني للنِّزال أَجبتها ... وفي الصيف الكفِّ منِّى مشرفيّ مذكَّرُ
وتحتي طمرّ مستطار فؤادُهُ ... سليم الشَّظا نهد كميت مضمَّرُ
فنازلت إَذا نادوا نزال، ونلت ما ... ينال الكريم الأّحوذيُّ المشمِّر
فذلك دهر قد حلوُ عيشِةِ ... وغادرني شلوا لي الذئب يكثر
وقد كنت أَباَّءٍ على القرن مرجما ... أَجود وأَحمى المسنفات وأَخبرُ
وللموت خير لامرئ من حياته ... بدارة ذلّ علبلايا يوقَّرُ
" علبلايا يريد على البلايا فادغم اللام؛ وقال أبو حاتم: وآخر حرف في كتاب سيبويه علماء بنو فلان يريد على الماء قالوا: وعاش فالج بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان ثمانين ومائة سنة، وكان فارسا، وكان عريِّيضا، يعرض فيما ليس يعنيه، وهو الذي تضرب العرب به المثل، يقال للرجل إذا عرض فيما لا يعنيه " أَنت من هذا الأَمر فالج بن خلاوة ".
حدثنا أبو حاتم: قال أخبرنا به أبو زيد فقال " أنت كفالج بن خلاوة، ولا عقب لفالج ".
وقال يذكر اعتراضه فيما لا يعنيه:
أَلا رُبَّ أَمر معضل قد ركبته ... بثنيىَّ فعل التَّيَّحان المضللَّ
فأَقشع عنيِّ لم يضرني وربَّما ... أَجرَّ الفتى ما كان عنه بمعزل
وقد كنت ذا بأوٍ على النَّاس مرَّة ... إِذا جئت أَمرا جئته الدَّهر من علِ
فلمَّا رماني الدَّهر صرت رزيَّة ... لكل ضعيف الركن أَكشف أَعزل
فيا دهر قدما كنت صعبا فلم تزل ... بسهمك ترمي كلَّ عظم ومفصل
فقد صرت بعد العزّ أغضى مذلَّة ... على الهول والأزمان ذات تنقُّلِ
فكم قد رأيت من همام متوَّج ... من التِّيه يمشي طامحا كالسبهلل
فأَصبح بعد التِّه كالعر ذلَّة ... قليل البتات كالضَّريك المعيل
وآخر قد أَبصرته متعلِّفا ... بريطة ذلّ كان غير مبجَّل
يدين له الأَقوام سرا وجهرة ... يروح ويغدو كالهمام المرفَّل
كذلك هذا الدَّهر صارت بطونه ... ظهورا وأَعلى الأمر صار كأَسفل
فصبرا على ريب الزمان وعضِّه ... ولا تك ذا تيه ولا تعلَّل
خذ العفو واقنع بالصَّحاح فربَّما ... أَكون لزاز العارض المتهلِّل
الصحاح الصحة مثل الضَّجاج والضَّجَّة، وأنشد: وخطَّ أَيَّام الصَّحاح والسَّقم وقال
1 / 21