170

Muassis Misr Haditha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Nau'ikan

كانت أزمة سنتي 1839م-1840م خاتمة النشاط في حياة الباشا الكبير، وإن كان قد سلخ بعد ذلك حقبة زمنية بأكملها وهو يحكم مصر فإن العبء كان ثقيلا وخيبة الأمل من الفداحة بحيث لم يستطع أن يضمن ذلك الشيخ الهرم الذي جاوز السبعين، فعلى عاتقه وحده كان عبء المسؤلية وبذل الجهود واتخاذ القرارات الحاسمة وتدبير الرأي، ولم يكن يعرف طعم الكرى كما أن أعصابه قد أصبحت متعبة إلى حد أنه كان كثيرا ما كانت تنتابه سورة الغضب الشديد، على أنه حتى بعد أن مرت الأزمة وضعفت مرارة خيبة الأمل؛ فإن أعصابه قد ظلت متعبة برغم ما كان يبدو عليه من علامات الصحة الجسمانية،

1

وفي منتصف عام 1844م ثقل عبء السنين على عاتقه بكل مزعج، وكان من نتيجته هذا الحادث المرعب.

ففي إحدى الليالي وهو في الإسكندرية بعد أن فرغ محمد علي من المجلس الذي دارت فيه مناقشات حادة بينه وبين كبار رجال دولته آوى إلى مخدعه، ولكن الأرق قد تملكه ولم تذق عيناه النوم مطلقا.

وفي الصباح الباكر غادر فراشه وولى وجهه شطر قاعة الاستقبال وكانت خالية طبعا؛ لأن أحدا من الوزراء لم يكن موجودا في مثل تلك الساعة المبكرة، وإذ ذاك استلقى محمد علي على «الكنبة» وأجهش في البكاء والعويل بحالة عصبية مسموعة.

وبعد برهة قصيرة أرسل في إحضار طعام الإفطار، ولكنه لم يتناول منه شيئا عندما أحضر إليه.

وقد رفض تناول قدح القهوة كما رفض تدخين «الشبك»، وبعد ما يقرب من الساعة طلب الباشا المركبة وبدأ ينزل درج السلم، وكان الوزراء قد حضروا جميعا على عجل وقد ظلوا واقفين أمام مولاهم دون أن يجرأ أحد على الدنو منه.

فما كاد بصره يقع عليهم حتى صاح فيهم بأنهم قد خانوه جميعا، وأنه قد عقد النية على أن يغسل يديه من كل شيء وأن يغادر الديار لحج بيت الله الحرام.

ثم تولى عنهم قاصدا البيت الخلوي بقرب الترعة المحمودية الذي كان يقصده كلما أراد أن يستقل الباخرة ذاهبا إلى القاهرة. ولما لم تكن الباخرة قد أعدت له أغلق الدار وبقي فيها بنفسه، وكان كل جوابه على القنصل الفرنسي عندما حضر مستفسرا على الخبر الذي يمكن أن يبعث به إلى حكومته هو «ما فات فات، والمقدر لا بد من نفاذه.» وفي اليوم التالي استقل الباخرة وعند وصوله القاهرة حبس نفسه في قصره بشبرا بقرب النيل وهرع إليه كلوت بك ليسهر على راحته، ولكن الباشا كان ما يزال في حالة هيجان عصبي، حتى إنه ما كان يستطيع أن يدني قدح القهوة من فمه كما كان لم يكن يسعه التنقل من حجرة إلى أخرى بدون أن يتكئ على ذراع أحد من رجال الحاشية.

2

Shafi da ba'a sani ba