263

Misir a Farkon Karni na Sha Tara

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Nau'ikan

وزير الخارجية الفرنسية، فقال: «... وأما فيما يتعلق بالباشا فإنه يعتبر نفسه لا أقل من أمير مطلق السلطة، بالرغم من قوله إنه عبد لجلالة السلطان المعظم، وبينما يصدر أوامره لمرءوسيه بتنفيذ المعاهدات القائمة بين الحكومات الأوروبية والباب العالي، فهو لا يدع الفرصة تمر دون إظهار أن هذه الأوامر إنما تصدر عن تلك السيادة التي يمارسها، ويتوقف إصدارها على إرادته هو وحده، والمبدأ الذي يطغى على سياسته، هو دائما مراعاة خواطر جميع الدول، دون تمييز إحداها على الأخرى، وإذا شاء جلالة الإمبراطور مراجعة التقارير التي كان لي شرف تقديمها إلى السفارة الفرنسية بالقسطنطينية خلال عام 1807، لاتضح له أنه ليس لمحمد علي أي اتجاه أكيد في علاقاته مع الوكلاء الأوروبيين، فلا تتعدى سياسته حدود مصر التي يقول إنه إنما صار سيدا عليها بحد حسامه، والتي يقول إنه إنما يبغي قضاء حياته بها، وأن يكون مماته ودفنه بها.

ومع ذلك، فإن ادعاءات السيادة هذه لم تنجح حتى هذه اللحظة في تحريره من تلك التبعية التي يفرضها عليها جيشه، ذلك الجيش الذي هو مستعد دائما للتمرد والعصيان من أجل مرتباته المتأخرة، ولقد جعلته هذه الحقيقة أكثر من أي شيء آخر يبذل قصارى جهده لإنهاء خلافاته مع البكوات المماليك بأية وسيلة كانت، فقد كان يريد الذهاب إليهم على رأس جنده قبل الحوادث التي وقعت في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر 1807 - ويشير هنا إلى تمرد الجند وقتذاك، وكان حادثا سوف يأتي ذكره - حتى يملي شروط الصلح عليهم في البلاد التي يوافق اليوم على تركها لهم.

ويبدو لي أنه لا معدى عن عرض هذه الأمور، لما تنطوي عليه من دلالة على أن الموقف في مصر سوف يظل دائما دون تغير وعلى حاله، فيما يتعلق بتلك الحكومة التي سوف تخضع دائما لكل تلك المتاعب المنبعثة من عدم استقرارها، ووجود تلك المنازعات الحزبية التي تحيط بها، ولا مفر من أن يشعر الإفرنج بالصدمات التي تنجم عن مثل هذه الحالة التي يسودها اختلال النظام، ومن واجب القناصل كذلك أن يعتمدوا على ما يستطيعون الآن وفي المستقبل أن ينالوه من نفوذ بتدبيرهم الشخصي، أكثر من اعتمادهم على الامتيازات والاحترام الذي تضفيه عليهم طبيعة مهمتهم.

والمصريون في حال يبعث على أبلغ الأسى، فالضرائب القاسية في الصعيد والوجه البحري، والمظالم وبعثرة الأموال قد أرهقت المزارعين واضطرتهم إلى الشحاذة، كما ألقت بهم في مهواة اليأس والقنوط.»

وأما اعتقاد «دروفتي»، بأن تشبث محمد علي بمشروع استقلاله من وحي الإنجليز، فكان اعتقادا قديما رسخ في ذهنه، منذ أن شهد توثق الصلات بينه وبينهم، بسبب تجارة القمح، وزيادة نشاط الوكلاء الإنجليز، وبخاصة دسائس السيد «بتروتشي»، فكتب قبل مقابلته السرية مع محمد علي ببضعة شهور، ومنذ 12 مارس 1810، إلى «شامباني» وزير الخارجية الفرنسية: أن الوكلاء الإنجليز «يعملون على زيادة تمسك محمد علي بمشروعه المحبب إليه، ألا وهو التخلص من سيادة الباب العالي، والارتقاء بباشويته إلى مصاف الدول البربرية (وجاقات الغرب)، وقد اجتهدوا في تملقه وإرضاء عاطفته المنبعثة عن الشعور بالكرامة الذاتية، بأن صاروا يعدون بترك راية ملك مصر تخفق في البحر الأبيض، فتتمتع جميع السفن التي تحمل هذه الراية بكل الامتيازات التي للمحايدين، ولو أنهم علقوا ذلك بشرطين، رفض الباشا الإذعان لهما، أولهما: السماح لسفن الحرب الإنجليزية بالدخول إلى ميناء الإسكندرية القديمة، وثانيهما: طرد الوكلاء الفرنسيين.

ولقد كان بفضل هذه المناورات، أن حصل الإنجليز - على الأقل - على الغلال لتصديرها إلى مالطة، ريثما تنتهي هذه المفاوضات إلى نتيجة.

وحيث إني لم أعرف ظروف هذه المحاولات والدسائس السرية، إلا بطريق ما كان يصلني من تقارير متفرقة ولا رابط بينها، فقد تعذر علي حتى الآن الوصول إلى فكرة صحيحة ودقيقة بالدرجة التي تتيح لي المجازفة بإبداء رأي عن النتيجة التي قد تسفر هذه المحاولات عنها، ولكنني أجد لزاما علي بالرغم من ذلك، أن أذكر أن الوكلاء الإنجليز منذ أن صار من المتوقع قطع العلاقات بين تركيا وإنجلترة قريبا، قد كفت لجاجتهم في ذلك الموضوع الذي اعتادوا دائما تقديمه على كل ما عداه من الموضوعات التي تناولها حديثهم، وأعني بذلك خوفهم من الأسطول الذي يتأهب في طولون للانقضاض على مصر، ثم إنهم صاروا إذا تحدثوا عن الاستعدادات التي تجري في موانيهم هم أنفسهم يبذلون قصارى جهدهم لتحويل انتباه الباشا إلى نواح أخرى، بإعلانهم أن الغرض من هذه الاستعدادات إنما هو إرسال أساطيلهم إلى البرتغال وكرفو.»

وقد ذكر «دروفتي» الأسباب التي حفزت الإنجليز ووكلاءهم - في رأيه - على تشجيع محمد علي على التمسك بمشروعه الاستقلالي ، والدخول معه في مفاوضات سرية تهدف إلى تحقيق هذا الاستقلال، الذي يرقى بباشويته إلى مصاف وجاقات الغرب، والتمويه عليه - في نظر «دروفتي» - فيما يتعلق بالغرض من الاستعدادات التي تجري في موانيهم، فقال في نفس رسالته هذه، «وإنما لمما يبدو لي أن هذه الوقائع (السالفة الذكر، والتي بسطها في تقريره) إنما تنهض دليلا على أن الحكومة البريطانية ما زالت متمسكة بمشاريعها العدوانية على مصر، ومن الممكن لذلك أن تتجدد نفس الظروف التي مرت بي من هنا في عام 1807.»

وعلى ذلك، فإنه لم يكن من المنتظر، وتلك آراء «دروفتي» عن حكومة محمد علي وقتئذ، وعن مشروع استقلاله، أن توافق حكومة الإمبراطور في باريس على تحرر محمد علي من سيادة الباب العالي، بالدرجة التي تمكنه من إنشاء باشويته أوجاقا من طراز وجاقات الغرب، ناهيك بمشاريع نابليون نفسه وذلك السر الذي لم يشأ التخلي عنه، فقد صمت «الدوق دي كادور» عن مشروع هذا الاستقلال في التعليمات التي أصدرها إلى «دروفتي» في 30 يونيو 1810، ولم يسترع انتباهه، من تقرير 12 مارس، سوى مكائد الإنجليز ومؤامراتهم، ولم يتبدل موقف حكومة الإمبراطور، من مشروع محمد علي طوال هذا العام (1810)، أو خلال العامين التاليين؛ أي في السنوات التي تتناولها هذه الدراسة.

ومع أن محمد علي قد حاول استرضاء الوكلاء الفرنسيين، بأن صار يعرض عليهم بيع غلاله للحكومة الفرنسية، بثمن يقل بمقدار الربع عما يبيع به لحسابه الخاص في المواني الألمانية التي تزود جزيرة كرفو بحاجتها من الغلال، وهي التي يعلم أنها تشكو كغيرها من المجاعة، فقد ظل «دروفتي» ينقم على الباشا نبذه لأوامر الباب العالي التي تمنع تصدير الغلال للإنجليز، وهم الذين سلكوا في هذه المسألة مسلكا لم يتوخوا منه - على الأقل - المحافظة على المظاهر، وذلك في الوقت الذي يبغون فيه - على حد قول «دروفتي» - العيش في سلام مع الباب العالي بكل وسيلة، واعتقد الوكيل الفرنسي أن محمد علي لا يزال على عهده مع الإنجليز الذين قال إنهم «يدفعونه دفعا إلى المضي في طريق لا شك في أنه يفضي إلى توريطه مع الباب العالي، وإلى تسويء العلاقة بينه وبين صاحب السيادة الشرعية عليه إلا إذا كان الديواني العثماني - كما افترض «دروفتي» تعليلا لعدم تأزم الأمور بين الفريقين بسبب نبذ الباشا لأوامر القسطنطينية - قد اتبع نفس السياسة المتقلبة والمتلونة التي طالما جعلته يزود الرسول (الذي يبعث به إلى الولاة) بفرمانين في وقت واحد، يلغي أحدهما الآخر.»

Shafi da ba'a sani ba