============================================================
ريغ العبادات (كتاب العلم الباب الرابع في سبب إقبال الناس على علم الخلاف وتفصيل آفات المناظرة والجدل، وشروط إباحتها لما تولى الخلافة بعد رسول الله الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، وكانوا أيمة علماة بالله، فقهاة في أحكام شرعه، فلم يحتاجوا إلى الاستعاثة بالفقهاء إلا على سبيل الندور، في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة، فتفرغ العلماء لعلم الآخرة، وتجردوا لها، وكانوا يتدافعون الفتوى.
فلما صارت السلطنة إلى أقوام يفتقرون إلى الفقهاء، طلبوا الفقهاء، وكان قد بقي من التابعين من هو مستمر على الطريق الأول، فكانوا يهربون منهم، فاشتغل أقوام بالفقه - إذ رأوا عزة أهله - لإدراك الجاه، وتحصيل الدنيا، وطلب الولايات، ثم مال بعض السلاطين إلى الكلام في المعتقدات، فاشتغل الناس بعلم الكلام، وصنقوا فيه، وزعموا: إن غرضنا الذب عن دين الله: ثم ظهر من السلاطين من لم يستضوب الخوض في الأصول، واستحسن النظر في الفقه، فاشتغل الناس بمسائل الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، وأعرضوا عن الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد رحمهم الله: وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع، وتقرير علل المذهب، ورتبوا(1) أنواع المجادلات، والله أعلم بالضمائر، وعليها يجازي، ومن هذا الجنس ميل اكثر الناس إلى الوعظ لاستجلاب العوام بما يميلهم، و"إنما الأعمال بالنيات"(2).
(1) في (ظ): "وزينوا".
(2) أخرجه البخاري(1)، ومسلم (1907) من حديث عمر رضي الله عنه.
Shafi 51