============================================================
2 نهاج القاصدين وفيد الصادقين وأشرف هذه الصناعات أصولها، وأشرف أصولها السياسة، لأنها سبث لإصلاح الأمور واستقامتها، ولذلك تستدعي السياسة من كمال القائم بها ما لا تستدعي سائر الصناعات، ولذلك يستخدم السائس(1) سائر الصناع، فقد بان فضل السائس على غيره لمزئة العلم بالتصرف، وشرف الصناعة يعرف إما بالآلة التي يتوصل بها إلى تحصيلها، كفضل العلوم العقلية على اللغوية، من جهة أن الحكمة تذرك بالعقل، واللغة بالسمع، والعقل أشرف من السمع، وإما بالنظر إلى عموم النفع، كفضل الزراعة على الصياغة، وإما بملاحظة المحل الذي فيه التصرف، كفضل الضياغة على الدباغة، لأن محل أحدهما الذهب، ومحل الآخر جلذ الميتة، وهذه الأمور قد اجتمعت في العلم.
أما الآلة، فإن العلم يدرك بصفاء الذكاء، وكمال العقل، وجؤدة الفهم.
وأما عموم النفع، فإن نفع العلم أعم، وثمرته سعادة الآخرة، وأما المحل، فإن أشرف الموجودات على ظهر الأرض جنس الإنس، وأشرف جزء من الإنسان قلبه، والمعلم مشتغل بتطهيره وتكميله، فهو كالخليفة عن الله تعالى في تثقيف عبده، وإصلاحه لخدمته، وهو بذلك متعبد لله عز وجل، وكيف لا، وهو واسطة بين الرب والعبد؟!.
فصل (الاشتغال بالعلم خير من الاشتغال بالنافلة] وقد يقع لبعض من يقل فهمه أن العمل أفضل من العلم، ويشير بذلك إلى النفل بالصلاة والصوم، ويحتج بأن المراد من العلم العمل، وهذا غلظ؛ لأن العلم يحضل بسعي القلب، وإنضاء(2) راحلة الفكر، فكيف لا يكون أفضل من أعمال (1) السائس: من يقوم على الشيء بما يضلحة، أو الوالي يسوس رعيته، أو القائم على شؤون الدواب وتذليلها. القاموس واللسان: (سوس).
(2) يقال: نضا الرجل السيف، إذا سله من غمده. اللسان: (نضو):
Shafi 24