الضرب الثاني: أن يكون المجوز مما لا يمكن أن يكون إليه طريق، فهذا يجب نفيه كما يقوله في تجويز مانع سواء هذا الموانع المعقولة وتجويز صفة الله تعالى لا يعلمها، إلا هو كما يقوله ضرار، فإنه لا طريق إلى صفاته تعالى إلا أفعاله، فما لم يدل عليه الفعل بنفسه أو بواسطة وجب نفيه، وباجلمة فكلما لو سئل مجوزه كيف كانت بكون الطريق إليه لما درى كيف يجيب، فإنه يجب نفيه.
فإن قيل: ليس بأن يجب نفي ما لا طريق إلى ثبوته بأولى من أن يجب إثبات ما لا طريق إلى نفيه.
قلنا: لم تحصل العلة في وجوب نفيه أنه لا طريق إلى ثبوته بل لأن تجويز ثبوته بفتح باب الجهالات كما علمت سببه.
أعلم أن هذا التفصيل المتقدم إنما هو في العمليات، فأما السمعيات فإن فقد الدليل على ثبوت شيء منها بعد الفحص دليل على نفيه، فلهذا انتفى وجوب صلاة سادسة وحج بيت آخر ونحو ذلك، وبهذا يبطل قول القائل إن فقد الدليل على نفي الشيء دليل على ثبوته، فيقول له جوز صلاة سادسة وحجا غير هذا وأشياء كثيرة لا يسعه إثباتها، فإن أثبتها فعاد وهو بين.
فصل في الاستدلال على الله تعالى
وهذا هو المقصود بالباب، وما تقدم كان كالتوطئة.
اعلم أنه إنما يستدل على الله تعالى بأفعاله المخصوصة؛ لأنه ليس بعلة فسيدل بمعلوله، ولا سببا فيستدل بمسببه، وهو تعالى منفرد بالقدم، فليس يصح أن يؤثر فيه ذات أخرى، فيستدل بها عليه، وصحة السمع متوقفة على معرفته تعالى، والأخبار المتواترة حقها أن تستند إلى المشاهدة.
Shafi 66