261

Minhaj at-Talibin wa-Balagh ar-Raghibin

منهج الطالبين وبلاغ الراغبين

فإن قال قائل: أخبرونى أخلق الله الأشياء من شيء أم لا من شيء؟ قيل له: لا من شيء خلقها؛ لأنه إن كان خلقها من أصل كان معه؛ فليس يخلو أن يكون ذلك الأصل خلق من شيء كان قبله، أو خلق من لا شيء قبله، وإن كان الكلام في ذلك الشيء كالكلام في الأصل: وهذا يئول إلي الفساد، وإلي ما لا يصح، ولا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلي مالا نهاية له.

وإن قال: خلقت الأشياء من أشياء كان قبلها: لم يتوقف عند آخر ذلك، ولم يجهل العلم به، وثبت أن الله تعالي- خلق الأشياء، واخترعها، وأخرجها من العدم إلي الوجود، ولا من شيء؛ لأنه، إذا كان لا بد من القول من أحد الوجهين، وفسد أحدهما: صح الآخر.

فإن قال: فما يدريك لعل الأشياء أحدثت نفسها؛ لا يخلو من أن يكون أحدثت أنفسها في حالة وجودها، أوعدمها؛ فإن كانت أحدثها أنفسها في حال وجودها، فوجودها: يعني أن إيجادها مرة أخرى؛ لأن الموجود مستغن عن الوجود، وإنما يوجد المعدوم، فيصير موجودا بعد أن كان معدوما، وإن كانت أحدثت أنفسها في حال عدمها لكان المعدوم فاعلا للوجود، ولو كان كذلك لكان لا فرق بين المعدوم، والموجود في الفعل، والعلم، والإرادة. فلما أن بطل أن يكون المعدوم يفعل شيئا، أو يحدث منه شيء صح أن الأشياء إنما أحدثها محدثها، ونقلها من العدم إلي الوجود، وهو الله سبحانه وتعالي.

فإن قال: من أين تعلم أن إلهك واحد؟ فقل: من قبل أنه لا يكون إلا واحدا، ولا يكون الغالب إلا واحدا، ولو كان اثنين وغلب أحدهما صاحبه، فالمغلوب ليس بإله؛ لأن الإله لا يكون عاجزا مقهورا، فلذلك علمنا أنه إله واحد لا شريك له.

فإن قال: كيف تعلم أنه واحد ليس كمثله شيء؟ قيل له : لأن الشيء يكون من صنعه، وخلقه، والله- سبحانه- هو الصانع للشيء، والشيء مصنوع، ولا يشبه الصانع بالمصنوع؛ لأن الصانع قديم، والمصنوع محدث.

Shafi 264