Daga Bayan Mariro
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Nau'ikan
وإذا اضطره إلى العربية جانب من عمله جاءك بها في ثوب إنجليزي، وتسمعها على لسانه غربية أكثر عوجا ولكنة في جرسها وإخراجها، مما لو جرت على لسان أحد أساتذة إكستر أو لفربول تعلمها منذ أسبوعين.
وهو برم بمجتمعنا وتقاليده، فكل شيء فيه سخيف عنده؛ وإنه ليعترف لديك في غير تحرج أو استحياء أنه لا يزور ذوي قرباه إلا كل عامين أو ثلاثة؛ لأن صدره يضيق بما يرى بينهم من تقاليد وعادات بالية عتيقة.
رجا منه مرة أحد أصدقائه ألا ينسى أمرا من الأمور، فهال الصديق أن يراه يغضب أشد الغضب، ثم يصعر خده ويشمخ بأنفه قائلا: «أنا أنسى؟
no it is you who forgets .»
وليس للفن المصري في رأيه أثر في الوجود، ولا للموسيقى المصرية وقع في النفس، ولا للأدب نصيب من الحياة، ولا للحياة المصرية كلها وضع من أوضاع الذوق ... لا ولا للشرق جميعا تراث يصح أن يسمى مدنية!
وبعد فليت هذا الذي يتشبه بالإنجليز هذا التشبه يحاكيهم في غير الحلة والحذاء والغليون واللهجة! نعم ليته ينقل عنهم بعض ما بهروا به العالم من خلقهم، بل ليته علم أن الإنجليز أبعد الناس عن التقليد السخيف؛ لأنهم لا يرون بينه وبين الانحلال والتبذل كبير فرق!
ليته نقل علمهم وأتقن أسلوب تفكيرهم، ثم اقتنع بهذا الجد وحافظ على مظهر قوميته وروح وطنيته، وإن بعض إخوانه ليعود إلى وطنه، وما أغناه ماء التايمز عن ماء النيل، وما إن يرضى بأن يقيم من نفسه دليلا على شعوره بحقارته!
وما حاجة هذا المتكلف إلى العلم وبيده «رخصة» بأنه كفء على الدوام أحسن أو أساء، وما به حاجة إلى أن يعمل فهو سابق غيره إن جد وإن أهمل وإن ظهر من جهله ما يضحك، مهما يبلغ من كفاية هذا الغير، وذلك بحكم هذه الوثيقة بل هذه الحجة الدامغة التي تغني عن كل شيء! وإن وثيقته هذه لتذكرني «بصكوك الغفران» التي كانت تبيعها الكنيسة للناس في العصور الوسطى، فتغفر لهم ما تقدم ما ذنوبهم وما تأخر.
وإن إكبار المجتمع لأمثال هذا المصري الآتي من الخارج ليجري على أسلوب كأسلوب العلوم الذي تراه في مثل قولهم: «فلان متربي في بلاد بره.» أو كأسلوب بعض جهلاء الذوات في الجيل المنصرم عندما كانوا يقولون : «فلان جي من إستنبول.»
لقد ذهب الزمن الذي كان يراد فيه لغاية مرسومة وضع هؤلاء القادمين من الخارج مهما يكن من عجزهم موضع التفوق، ومات الغرض من ذلك بتيقظ قوميتنا وانبعاث نهضتنا، فحتام نشهد على أنفسنا بالضعة ونقدح في كفاية معاهدنا وأساتذتنا؟ ... حتام يا أولي أمرنا ... حتام؟!
Shafi da ba'a sani ba