وكأن هذا التصنيف حاز القبول وجرى عليه العمل وكان الخروج عليه مدعاة إلى النقد، ولما اعتمد ابن مالك على لغات لخم وجذام وغسان، تعقبه باللوم أبو حيان فقال في شرح التسهيل: "ليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن"١.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: "لا أقول: "قالت العرب" إلا ما سمعت من عالية السافلة وسافلة العالية" يريد ما بين نجد وجبال الحجاز حيث قبائل أسد وتميم وبعض قبائل قيس٢، بل كان عثمان يقول: "لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف"٢.
وأما أحوال هؤلاء العرب المحتج بهم فخيرها ما كان أعمق في التبدي وألصق بعيشة البادية؛ ولذا كان مما يفخر به البصريون على الكوفيين أخذهم عن الأعراب أهل الشيح والقيصوم وحرشة الضباب وأكلة اليرابيع، ويقولون للكوفيين: "أخذتم عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ"٣. وقد نص
_________
= الكوفة نزلوا بأدنى بلاد النبط وأقصى بلاد العرب، ويسمي أهل الكوفة الحوك "البقلة الحمقاء" بازورج، والبازورج بالفارسية والحوك كلمة عربية. وأهل البصرة إذا التقت أربع طرق يسمونها "مربعة" وتسميها أهل الكوفة "جهارسو" والجهار بالفارسية. ويسمون السوق أو السويقة وازار والوازار بالفارسية، ويسمون القثاء خيارا والخيار فارسية، ويسمون المجذوم يذي بالفارسية. ا. هـ ١/ ١٨.
وبهذه الأمثلة التي طغى فيها الأثر الاجتماعي على الأثر الجغرافي تدرك الحافز لعلماء العربية على إسقاط من أسقطوا في الاحتجاج من العرب في الجاهلية والإسلام.
١ الاقتراح ص٢٤.
٢ انظر مجلة مجمع اللغة العربية "بالقاهرة" ٨/ ١٤١.
٣ الشيراز: اللبن المصفى، والكامخ: إدام، انظر القاموس المحيط.
1 / 23