فصاحت به مرة أخرى: «قلت لك يا سيدي اتركني! مالك ومالي؟ أما إن أمرك غريب! صحيح ثقيل!»
وهم الفتى بالكلام، ولكنه عوجل بضربة ألقته على الأرض، ونظرت زكية فإذا عبد المنعم يتهيأ للإجهاز عليه، فجرته من كمه، وهي متعجبة وفرحة وخائفة واجفة القلب ... متعجبة لأن عبد المنعم شق الأرض وخرج منها كما زعمت أن الفتى يفعل، وكان آخر ما يجري لها في خاطر أن ترى عبد المنعم في هذه الناحية، وفرحة لأنه كان متلهبا متغير الوجه كعهدها به حين تأكل قلبه الغيرة، وخائفة لأنها خشيت أن يصيب الفتى مكروه فيقع عبد المنعم في بلية.
ومضت به دون أن يتلفت أحد منهما إلى ذلك الذي وقع على الأرض كالحجر، ولم يتكلما بشيء حتى بلغا خط الترام، فحياها وهم بأن ينصرف، فتعلقت به وقالت له: «مالك؟ ماذا جرى؟»
قال: «لا شيء، لم تعد بك حاجة إلي، فلا داعي لبقائي معك.»
قالت: «ماذا تعني؟»
قال: «وما سؤالك هذا! ألست قد بعتني؟»
قالت: «أنا بعتك؟»
قال: «أينا الذي باع صاحبه إذن؟»
فكادت ترقص في الشارع، وكبحت نفسها، واقترحت عليه أن يتمشيا إلى البيت ليتسع الوقت للكلام ...
ولا نطيل، وما الداعي؟ كانت خلاصة ما علمته أن عبد المنعم استشار رجلا مجربا، فقال الحكيم العارف بالدنيا وأسرار النفوس: إنه ما قتل حب المرأة ولا نفرها من رجلها كشدة غيرته، وإنه ما هاج حرقاتها شيء كقلة المبالاة، مهما يكن ما تفعل أو ما تترك. فصدقه عبد المنعم وراض نفسه وتحامل عليها، حتى كتم أنفاس غيرته المتأججة ليبدو لزكية على حال من الفتور الموصوف المرجو الخير، فكان ما كان من أمرهما معا ما يعرف القارئ.
Shafi da ba'a sani ba