وتتابعت على عينيها صور، وأفاقت من سكرتها مذعورة لصورة عرضت، وتخيلته في بعض لياليه يحف به فتيات يسألنه فيجيب، وفي عيونهن معان وفي عينيه مثلها؛ وهل يمكن أن تخلو حياة فنان نابه من مثل ذلك؟ هكذا سألت نفسها فلذعتها الغيرة وما رأت بعينين ولا سمعت بأذنين، ومضت تسائل نفسها: أتراه - وهو من هو - لم يفتح قلبه لفتاة قبلها ولن يفتحه؟ فكيف؟ ومن أين لها وإن اسمه لحديث على الشفاه ونجوى في القلوب ...؟ أم تراه يفي لها ويخلص لها الحب فلا يغلبها على قلبه أحد ...؟!
وابيضت ذؤابة الليل وما تزال أحلام اليقظة تراوح بين جنبيها في الفراش!
ومضت ليال، وأنست رشيدة إلى فتاها وأنس بها، وتتابع اللقاء بينهما في الحلم حينا وفي اليقظة، وتكاشفا نفسا لنفس، فاطمأنت وزال ما كان يساورها من هم، واسترسلت في أحلام السعادة وأوهام المجد، وهي تحصي ما بقي من أيامها حتى يكون لها.
وجاء اليوم الموعود وزفت رشيدة إلى سامي ... «يا هناها!»
تلك كانت أغنية كل صواحبها، أتراها كانت تستمع إليهن مغنيات؟
أما هو فكان من شأنه في شغل عما يتحدث به الناس. لقد وجد الاستقرار والراحة منذ وجد رشيدة، فانصرف إلى غايته دائبا لا يشغله من شئون الحياة والأحياء إلا فنه والأمل الذي يتطلع إليه من بعيد.
وأما هي فأين ...؟ أين أحلامها التي كانت تداعبها في اليقظة وتلم بها في المنام؟
هذا عام مضى منذ دخل سامي في حياتها وشاركته في داره، فماذا تحقق من أمانيها وماذا بقي؟ وماذا يجدي عليها صيته ومجده وشهرته وإنها لحبيسة الدار لا تتحدث إلى أحد ولا يتحدث إليها أحد، وزوجها الذي خلق لها دنيا عريضة من الأوهام والأماني حبيس في غرفته مكب على أوراقه ودفاتره؟
هذه الصحف التي تتحدث عنه، وهذه الكتب التي تصدر باسمه، وتلك الجماعات التي تقوم لمذهبه وتدعو دعوته ... كل هذه وهم وخداع وتلبيس على الحقيقة. لقد حسبت يوما أنها ستكون أسعد زوجة فيمن تعرف من صواحبها؛ لأن هذه الأوهام المكتوبة كانت تخيل لها وتخدعها عن الحقيقة. أما اليوم فوا أسفا! لقد عرفت ما كانت تنكر، وأدركت ماذا تدفع من هناءتها الزوجية ثمنا لذلك المجد الذي كان يتخايل لعينيها شعاعه!
إنه ليحبها وإنها ... ماذا؟ نعم، لقد كانت تحبه يوما، ما في ذلك شك؛ أما اليوم ... آه! ليتها تستطيع أن تقول ...! بل ليتها تستطيع أن تعرف ...!
Shafi da ba'a sani ba