وسرت إلينا نفسه، وتقمصنا مما به روح الكآبة والوحشة، فأمسكنا عن الحديث لحظات ...
ورفع الشيخ رأسه بعد هنيهة، وتحركت شفتاه بكلام، فتقصفنا عليه نستمع لما يقول ...
وسأل: «ماذا لديكم من أنباء صاحبنا عاطف؟»
قلنا: «لقد انقطع عن نادينا من زمان بعيد، فلعله على شغل ببعض شأنه، وإن لذات الحياة لحبيبة إليه، فما نراه قد منعه لقاءنا إلا لهو آثره علينا، أو لذة دعته فلباها، أو لعله يتفيأ من دنياه الجديدة ظلال الحب والسعادة!»
قال: «بل دنياه الجديدة، ولكن ليس فيها من السعادة والحب ولا ظلهما، ولكن مكابدة الأحزان، وألم الوحدة، ومشقة الحرمان، وظلام اليأس ...!»
ورنت كلمات الشيخ في آذاننا رنينا مفزعا أحسست صداه في قلبي، فقد توثقت صلتي بعاطف صبيا وغلاما وشابا، فأي أمل كان يجيش في تلك النفس؟ وأي روح كان يحمل ذلك الجسد؟ وأي حيوية كانت تصطرع من ذلك الشباب؟
فما كربني كرب ونظرته إلا عادت الحياة في عيني باسمة نضرة، وما أهمني هم فلقيته إلا تعلمت منه فلسفة الرضا بما هو كائن، وكان من بهائه وإشراق طلعته، إلى كمال خلقه وعفة لسانه، كأنه فتنة مستحيية ...
وأخذ الشيخ يقص علينا من نبئه ونحن نستمع إليه في صمت: كان عاطف على ما انبسط له من النعمة، وما اتفق له من حسن الرأي؛ لا يؤمل في الزواج إلا من فتاة ذات مال. ولقد كان عجيبا عندنا أن يكون على هذا الرأي وهو من نعرف من شباب الجيل الجديد، ولكنا لم نكن لنستطيع على ما نسرف في مهاجمة رأيه أن نصرفه عن بعض ما كان يعتقد. وراح في سبيل غايته يبحث عن الزوجة الغنية على أبواب المجلس الحسبي ...!
ووجدها بعد جهد ناصب؛ ولم تكن جميلة، ولكنها كانت بعيدة من الدمامة، وقد مات أبواها وخلفا قصرا وضيعة، وأخا يقوم عليها وعلى القصر والضيعة جميعا!
واستوثق الفتى من غنى صاحبته، فأقبل يخطبها إلى أخيها وقد اجتمعت له الأسباب، وأدى المهر: مهر الضيعة والقصر والعروس ...! وعقد له على فتاته!
Shafi da ba'a sani ba