وقد دلت النصوص على الأمر بمسألة الخلق والنهي عن مسألة المخلوق والعبد لا بد له من رزق وهو محتاج إلى ذلك فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه، وإذا طلب رزقه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنما أبيحت للضرورة، والإنسان لا بد له من حصول ما يحتاج إليه من الرزق ونحوه ودفع ما يضره وكلا الأمرين شرع له أن يكون دعاؤه لله فلا يسأل رزقه إلا من الله ولا يشتكي إلا إليه، وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجاؤه لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه ، فالحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما أن الغنى غنى القلب.
علامة محبة الله
وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والجهاد في سبيله، وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في الحصول على ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان، فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب وهي موافقته في حب ما يحب وبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان، وإذا تبين هذا فكلما ازداد القلب حبا لله ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية ازداد حبا وحرية عما سواه، والقلب فقير بالذات إلى الله من جهتين:
من جهة العبادة، وهي العلة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل.
لا يصلح القلب إلا بعبادة ربه
والقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده وحبه والإنابة إليه، ولو حصل كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه بالفطرة من حيث هو محبوبه ومعبوده ومطلوبه.
Shafi 6