Daga Aqida Zuwa Juyin Juya Hali
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Nau'ikan
4
والبحث في الدليل العقلي وهو الذي أدى إلى البحث في أنواع الأدلة ووجه الدلالة. فالدليل العقلي يلزم من وجوده وجود المدلول. وقد يحدث اللزوم من طرف إلى آخر، فيكون الاستدلال بالمشروط على الشرط أو بالمعلول على العلة أو بالعلة على المعلول. كما يمكن من البحث عن البرهان إبطال النقيض وهو ما يسمى ببرهان الخلف.
والأدلة ثلاثة: أدلة نقلية خالصة، وأدلة نقلية عقلية أو عقلية نقلية، وأدلة عقلية خالصة.
5
فالمطالب ثلاثة أنواع: الأول ما لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه، فهذا لا يمكن إثباته إلا بالنقل؛ أي الخبر، مثل وجود الأشخاص والمدن. والثاني ما يتوقف عليه النقل، مثل وجود «الله» ووجود الرسول، وهذا لا يثبت إلا بالعقل وإلا لزم الدور لأن الوحي يتطلب وجود «إله» يرسل رسولا، ومن هنا يكون العقل أساس النقل ليس فقط من حيث قصد الوحي، بل أيضا من حيث مضمون الوحي والتصديق به وصدقه في الواقع، وفي هذه الحالة يكون الدليل مركبا من العقل والنقل أو من النقل والعقل. والثالث مثل الحدوث والوحدة وسائر الأمور العامة، فهي أمور يمكن إثباتها بالعقل؛ إذ تمتنع معارضته بالدليل كما تمتنع معارضته بالنقل لأنها غير متوقفة عليه.
6 (1) نقد الدليل النقلي
والحقيقة أن الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوره لأنه لا يعتمد إلا على صدق الخبر سندا أو متنا، وكلاهما لا يثبتان إلا بالحس والعقل طبقا لشروط التواتر ... فالخبر وحده ليس حجة ولا يثبت شيئا على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة من اعتمادها شبه المطلق على «قال الله» و«قال الرسول» واستشهادها بالحجج النقلية وحدها دون إعمال للحس أو للعقل، وكأن الخبر حجة، وكأن النقل برهان، وأسقطت العقل والواقع من الحساب في حين أن العقل أساس النقل، وأن القدح في العقل قدح في النقل، وأن الواقع أيضا أساس النقل بدليل «أسباب النزول» و«الناسخ والمنسوخ». ولا يمكن إثبات صحة الخبر بالمعجزة وحدها، ولا يمكن تصديقه فقط بإثبات الصحة التاريخية عن طريق النقد الخارجي دون الاهتمام بالنقد الداخلي أي بفهمه وتفسيره وإيجاد تطابقه مع الحس والعقل، مع التجربة البشرية الفردية والاجتماعية. الدليل النقلي في حقيقة الأمر هو في نفس الوقت دليل حسي وعقلي، فالوحي متعدد الأطراف متشعب في الحس والعقل. وهو وحي وعقل وواقع، ثلاثة جوانب لشيء واحد، الوحي أحدها، يقوم على العقل ويرتكز على الواقع. ليس العقل مغلقا على نفسه بل يضم الوحي، والوحي ليس صوريا بل يقوم على الواقع، والواقع ليس ماديا مصمتا ولكنه يتقبل الوحي كما يتقبل تنظير الواقع له. بل إن ما يعلم بالقياس والنظر أو بالحس والمشاهدة لا يعلم بالخبر. فالحس والعقل من شروط التواتر. ولا يعطي الخبر جديدا مستقلا عن المعارف الحسية والعقلية. ما عرف بالحس أو النظر أو الاستدلال لا نحتاج إلى معرفته بالخبر، باستثناء «الشعائر» وهي بالنسبة للعقلاء العمل الصالح؛ لأنها بواعث على التقوى. قد يؤثر الخبر وحده في العامة لأنها لا تقدر على استعمال العقل وتؤثر الخيال، ولا تقدر على فعل الحسن لذاته وتجنب القبح لذاته وحاجتها في ذلك إلى الخبر. يقين التواتر ليس من الخبر باعتباره خبرا، بل من شروط التواتر وفي مقدمتها التطابق مع شهادة الحس والعقل والوجدان وامتناع التواطؤ على الكذب. فالتواتر يتضمن يقينه الداخلي دون حاجة إلى صدق خارجي، خاصة ولو كان عن طريق هدم قوانين الطبيعة أو مناقضة أوائل العقول أو اضطراب في المعارف الحسية عن طريق المعجزات.
7
والدليل النقلي يقوم على التسليم المسبق بالنص كسلطة أو كسلطة إلهية لا يمكن مناقشتها أو نقدها أو رفضها؛ فهو دليل إيماني صرف، يعتمد على سلطة الوحي، وليس على سلطة العقل، وبالتالي فلا تلزم إلا المؤمن بها سلفا، تلزم المسلمين المؤمنين وحدهم دون المسلمين (غير المؤمنين)، ودون سائر أهل الملل والنحل الذين لا يؤمنون بسلطة الوحي. وبالتالي يفقد العلم بهذا الدليل قدرته على الحوار مع الخصوم، سواء من الداخل أو من الخارج، وهو الذي أتى للدفاع عن العقيدة ضد منتقديها من أهل الزيغ والبدع والأهواء الضالة. في هذه الحالة لا تنفع إلا حجة العقل وحده الذي يشارك فيه الجميع ويسلم ببراهينه وحججه. فإذا كانت المدارك الحسية والعقلية عامة مع كافة الخلق إلا من لا عقل له ولا حس، وكان الأصل معروفا، فإن التواتر بنفسه لا يفيد علما ولا ينفع إلا من آمن به ووصل إليه، كما أن السمعيات لا تنفع إلا من يثبت السمع عنده.
8
Shafi da ba'a sani ba