قال: ولما حول أبو عبد الله من السجن إلى دار إسحاق، كان عليه قيد خفيف فزيد عليه في القيد وثقل، فمكث ثلاثة أيام في دار إسحاق، فلما كانت الليلة الرابعة بعد عشاء الآخرة في شهر رمضان، جاء بغا الكبير إلى إسحاق بن إبراهيم فأمره بحملي إلى المعتصم، قال أبو عبد الله: فأدخلت على إسحاق، فقال لي: يا أحمد، إنها والله نفسك، قد حلف أن لا يقتلك بالسيف، وأن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن يحبسك في موضع لا ترى فيه الشمس، أليس قال الله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} أفيكون مجعولا إلا مخلوقا؟! قال أبو عبد الله: فقلت: قال الله تعالى: {فجعلهم جذاذا}، {فجعلهم كعصف مأكول} أفخلقهم؟ فسكت.
قال أبو عبد الله: ثم قال لي إسحاق: يا أحمد، لو أجبت أمير المؤمنين إلى ما دعاك إليه. قال: فكلمته بكلام، فقال إني عليك مشفق، وإن بيننا وبينك حرمة، فقلت: ما عندي في هذا إلا الأمر الأول، فقال: اذهبوا به، فأمر بي فحملت في زورق إلى دار أبي إسحاق، وكانت في سراويلي تكة، فلما حولوني وزاد في قيودي وثقلت علي القيود، لم أقدر أن أمشي فيها، أخرجت التكة من السراويل وشددت بها قيودي، ثم لففت السراويل بغير تكة ولا خيط، فمضى بي إلى دار أبي إسحاق ومعي بغا، ورسول إسحاق بن إبراهيم فلما صرت إلى الدار أخرجت من الزورق وحملت على دابة والأقياد ثقلت علي وما معي أحد يمسكني، فظننت أني أسقط إلى الأرض أو نحوه، فأدخلت فصيرت في بيت وأغلق علي الباب وأقعد عليه رجلان، وليس في البيت سراج، فقمت أصلي ولم أعرف القبلة، فصليت، فلما أصبحت نظرت فإذا أنا على القبلة.
Shafi 52