أيها الأمير، اجمع لنا الفقهاء والعلماء قال أبي: ولم أذكر أهل الحديث فقال إسحاق: وترضى؟ قلت: نعم أيها الأمير، فمن فلجت حجته كان أغلب. فقال لي ابن أبي ربعي بعد ذلك: ما صنعت! تجمع على ابن أخيك المخالفين له، فيثبتون عليه الحجة ممن يريد ابن أبي دؤاد من أهل الكلام والخلاف، هلا شاورتني في ذلك؟ قلت له: قد كان ما كان. قال أبي: ولما ذكر لإسحاق بن إبراهيم ما بيننا وبينه من الحرمة المتقدمة، قال لحاجبه البخاري: يا بخاري، اذهب معه إلى ابن أخيه فليكلمه ولا يكلم ابن أخيه بشيء لا تفهمه إلا أخبرتني به. قال أبي: فدخلت على أبي عبد الله مع حاجب إسحاق الذي يقال له: البخاري، فقلت له: يا أبا عبد الله، قد أجاب أصحابك، وقد أعذرت فيما بينك وبين الله عز وجل، وقد أجاب القوم وبقيت أنت يعني بقيت في الحبس والضيق فقال لي: يا عم، إذا أجاب العالم تقية والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق، قال أبي: فأمسكت عنه، فلما كان بعد أيام من لقائي إسحاق بن إبراهيم وكلامي إياه، لقي إسحاق المعتصم فأخبره بقول أبي وما كلمه به، غدونا إلى الحبس يوما نريد الدخول على أبي عبد الله على ما كنا نختلف، وكان في جيراننا رجل يقال له: هارون، يختلف إلى أبي عبد الله بطعامه من المنزل، ويقضي حوائجه ويخدمه، فقيل لنا: قد حول الليلة أبو عبد الله إلى دار إسحاق، فذهبت أنا وأبي وأصحابنا إلى دار إسحاق فأردنا الدخول على أبي عبد الله والوصول إليه، فحيل بيننا وبين ذلك، وجاء هارون الجصاص بإفطار أبي عبد الله فدفعه إلى بعض الأعوان يوصله إلى أبي عبد الله، فبعث إسحاق فأخذ الزنبيل الذي فيه إفطاره فنظر إليه، فإذا فيه رغيفان وشيء من باقلا، فتعجب إسحاق من ذلك، ولما كان الغد من اليوم الذي حول فيه أبو عبد الله إلى دار إسحاق ونحن عند باب دار إسحاق، إذ جاء أبو شعيب الحجام ومحمد بن رباح، حتى دخلا إلى دار إسحاق، ثم دخلا إلى أبي عبد الله ومعهما صورة السموات والأرض وغير ذلك.
قال أبو عبد الله: فسألني عن شيء ما أدري ما هو، قال أبو عبد الله: فلما سألاني يعني ابن الحجام وابن رباح قلت: ما أدري، وما أعرف هذا، ثم قال لي أبو شعيب في كلام دار بيني وبينه وسألته عن علم الله ما هو؟ قال: علم الله مخلوق. فقلت له: كفرت بالله العظيم، فقال لي رسول إسحاق وكان معه هذا رسول أمير المؤمنين، فقلت له: إن هذا قد كفر بالله. وقلت لصاحبه ابن رباح الذي جاء معه: إن هذا أعني أبا شعيب قد كفر، زعم أن علم الله مخلوق، فنظر وأنكر عليه مقالته، وقال: ويحك، ما قلت؟ ثم انصرفنا. قال حنبل: فبلغني عن أبي شعيب أنه لما خرج من عند أبي عبد الله، سمعه من كان قريبا منه يقول: ما رأيت لهذا نظيرا. وكان أبو عبد الله قال لأبي شعيب في وقت مناظرته: ويلك، بعد طلبك الحديث وكتابتك للعلم، ألم أرك في موضع كذا؟ ألم تحضر كذا؟ فقال أبو شعيب: ما رأيت لهذا نظيرا، عجبت من رجل في هذا الذي هو فيه وتوبيخه إياي.
Shafi 51