ولم أزل على ذلك مدَّةً مِنَ الزَّمان حتَّى مَضَى عصرُ الشَّبَاب وبَان، فانبعث الباعثُ على ذلك راغبًا، وقام خطيبًا لبنات أبكارِ الأفكار خَاطبًا، فشمَّرت ذيل العزم عن ساق الحزم، وأتيتُ بيوتَ التصنيفِ من أبوابها، وقمتُ في جامعِ التأليف بين أئمتِهِ بمحرابها، وأطلقتُ لِسَان القلمِ في ساحات الحِكَم بعبارة صريحةٍ وَاضِحةٍ، وإشارةٍ قريبَةٍ لائِحَةٍ، لخَّصْتُها مِن كَلام الكُبَراء الذين رقَتْ في معارجِ عُلومِ هذا الشأن أفكارُهم، وإشاراتِ الألباء الذين أنفقوا على اقتناص شوارد أعمالهم، وبذلت الجهد في تَفهُّمِ أقاويل الفهماء المشار إليهم بالبنان، وممارسة الدواوين المؤلفة في هذا الشأن، ومراجعة الشيوخ الذين حازوا قصب السبق في مضماره، ومباحثة الحذاق الذين غاصوا على جواهر الفرائد في بحاره، ولم أتحاش عن الإعادة في الإفادة عند الحاجة إلى البيان، ولا في ضبط الواضح عند علماء هذا الشأن، قصدًا لنفع الخاص والعام، راجيًا ثوابَ ذي الطول والإنعام، فدُونَكَ شرحًا قد أشرقت عليه من شرفات هذا الجامع أضواء نوره اللامع، وصدع خطيبه على منبره السامي بالحجج القواطع القلوب والمسامع، أضاءت