Mutuwar Mutum Daya a Duniya
موت الرجل الوحيد على الأرض
Nau'ikan
رفع كفراوي يديه عن رأسه وقال: جلال لن يضيع يا زكية، سيعود جلال إليك بعد أيام.
قالت وهي تتنهد: كل يوم تقول لي هذا يا كفراوي، وأنت تعرف أن جلال مات وتخفي عني يا كفراوي.
قال: لم يقل أحد إنه مات.
قالت: غيره كثير ماتوا يا كفراوي.
قال: وغيره رجع سليما يا زكية. اصبري وصلي لربنا يرجعه بالسلامة.
قالت: ياما صليت وصليت يا كفراوي ...
قال: صلي تاني يا زكية وادعي ربنا يرجعه ويرجع نفيسة. يا ترى أين ذهبت يا نفيسة!
وانقطع صوتها المنخفض الشبيه بالأنفاس المتلاحقة المتقطعة، ودب من حولها صمت ثقيل من الظلمة، وظلت عيناهما مفتوحة شاخصة في الفراغ الأسود الممتد بطول الليل. •••
انفتح الباب الحديدي الكبير، وظهر منه عمدة كفر الطين، طويل القامة، عريض الكتفين، عريض الوجه، ورث نصف وجهه الأعلى عن أمه الإنجليزية: شعر ناعم وعينان زرقاوان من تحت جبهة عريضة مرتفعة، أما نصف وجهه الأسفل فقد ورثه عن أبيه المنحدر من الصعيد البعيد: شارب أسود كثيف، من فوقه أنف غليظ ومن تحته شفتان غليظتان توحيان بشراهة ونهم للملذات والشهوات. في عينيه، حين ينظر، قسوة مهذبة أشبه بالاستعلاء الإنكليزي، وفي صوته، حين يتكلم، غلظة رجال الصعيد، لكنها غلظة بغير عنف، يشوبها نوع من التواضع أشبه بالانكسار الذي يميز بعض الرجال في مصر أو الهند أو غيرها من البلاد التي استعمرت طويلا.
سار العمدة بخطواته البطيئة، تنسدل فوق كتفيه عباءة، ومن خلفه سار شيخ الخفر وشيخ الجامع. اجتازوا فناء الدار الكبير، ثم خرجوا إلى الشارع الضيق، رأوا في فتحة الباب المظلمة شبحين جالسين في الظلام. لم يروا ملامحهما، لكنهم عرفوا أنهما كفراوي وزكية. دائما يرونهما جالسين صامتين في الظلمة، وحينما يرون شبحا واحدا يعرفون أن كفراوي قد بات في الحقل.
Shafi da ba'a sani ba