Matsayi Daga Metaphysics
موقف من الميتافيزيقا
Nau'ikan
وما حاصل هذا كله؟ حاصله أنا تخلصنا من كلمة «إنسان» وأحللنا مكانها فردا معينا، وبهذا نمكن لأنفسنا أن نرى إن كان الكلام صحيحا أو فاسدا، على حين أننا إذا أبقينا كلمة «إنسان» على حالها فسنظن خطأ أن هنالك في عالم الأشياء شيئا اسمه «إنسان» موصوفا بكذا وكذا، فإذا رجعنا إلى عالم الأشياء المحسوسة ولم نجد هذا «الإنسان» العام، شطح بنا الوهم إلى افتراض وجود «الإنسان» العام في عالم غير هذا العالم المحسوس، كما فعل أفلاطون مثلا في نظرية المثل.
وهنا نصل إلى بيت القصيد، فالغاية التي استهدفناها بهذا البحث كله هي مهاجمة الميتافيزيقا واعتبارها كلاما فارغا، نشأ من عجز الميتافيزيقيين عن تحليل عباراتهم تحليلا صحيحا.
خذ هذه العبارة الميتافيزيقية مثلا: «الروح خالدة» وحللها على ضوء ما قلناه، تجد أنها ليست - كما ظن المنطق التقليدي - قضية، وبالتالي فهي ليست مما يوصف بصدق وكذب، وبعبارة أخرى: ليست هي مما يجوز فيه المناقشة والكلام ما دامت على حالها هذه، إذ هي دالة قضية بمعنى أنها تقدم لنا عبارة مثقوبة فيها خانة شاغرة، ولا يجوز اعتبارها كلاما تاما إلا إذا سددنا هذا الفراغ فيها.
ذلك لأن جملة «الروح خالدة» - شأنها في ذلك شأن الجملة التي حللناها وهي «الإنسان فان» - تنحل إلى ما يأتي: « » روح، و« » خالدة حين تكون « » رمزا لفرد معين في عالم الأفراد في دنيا الواقع، فلا بد من الرجوع إلى عالم الأشياء الواقعة أولا، باحثين عن الفرد « » الذي زعمنا وجوده، والذي أردنا وصفه بكذا وكذا، لنرى هل هذا الفرد فيه الصفة المزعومة أم لا ... فإذا استحال بطبيعة الموقف أن نجد في عالم الأفراد مثل هذا الفرد « » الذي جعلناه موضوع حديثنا، كان الكلام فارغا من كل معنى؛ لأنه فقد صفة الكلام الرئيسية، وهي أن يتاح لنا وصفه بالصدق أو بالكذب.
5
إلى هنا كان الحديث منصبا على العبارة الوصفية العامة التي تنطبق على أفراد كثيرين، ورأينا أن النقطة الرئيسية في تحليلها هي أن ننظر إليها باعتبارها دالة قضية تتحدث عن مجهول، ولا مندوحة لنا عن استبدال فرد معلوم بذلك المجهول، قبل أن يتاح لنا أن نجعل من العبارة كلاما يصح فيه الجدل والمناقشة.
وننتقل الآن إلى النوع الثاني من العبارة الوصفية، وهو «العبارة الوصفية الخاصة» التي لا تنطبق إلا على فرد واحد، شأنها في ذلك التخصيص شأن اسم العلم، فالعبارة الوصفية «مؤلف كتاب الأيام» تحدد فردا بذاته، كما يحدده اسمه الخاص وهو «طه حسين».
غير أن العبارة التي تحتوي على اسم العلم لا تتعرض في تحليلها لنفس المشكلات التي تتعرض لها الجملة التي تحتوي على عبارة وصفية خاصة رامزة إلى الفرد الذي يرمز إليه اسم العلم؛ ذلك لأنه على الرغم من تساوي الدلالة الرمزية بين اسم العلم وبين العبارة الوصفية الخاصة في تمييز الفرد المسمى، إلا أنهما ليسا متساويين تساويا مطلقا، ولو كانت عبارة «مؤلف كتاب الأيام» مساوية تماما من كل الوجوه للاسم «طه حسين» لأمكن أن نحل الواحدة مكان الأخرى دون أن يتأثر المعنى نقصا أو زيادة، لكن ليس ذلك هو الواقع؛ لأننا في قولنا «مؤلف كتاب الأيام هو طه حسين» لا نقول فقط ما نقوله بعبارة «طه حسين هو طه حسين.» في الحالة الأولى نذكر حقيقة من حقائق التاريخ الأدبي، وفي الحالة الثانية نقول عبارة جوفاء، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن يكون للعبارة الوصفية الخاصة تحليل غير تحليل اسم العلم، فما هو؟
إن أول ما يسترعي النظر في المقارنة بين اسم العلم وبين العبارة الوصفية الخاصة، هو أن اسم العلم رمز بسيط لا ينحل إلى أجزاء أبسط منه؛ لأن أجزاءه أحرف الهجاء التي ليست رموزا في هذه الحالة، وأما العبارة الوصفية الخاصة فمكونة من أجزاء هي بدورها رموز ذات دلالة معلومة قبل أن تتألف معا لتكون عبارة وصفية دالة على فرد بذاته، ففي قولنا: «مؤلف كتاب الأيام» قد استعملنا كلمة «مؤلف» وكلمة «كتاب»، وكل منهما بدورها رمز له دلالته المستقلة (لاحظ أن كلا منهما عبارة وصفية عامة).
واسم العلم الذي هو رمز بسيط غير قابل للتحليل، إنما يدل على معناه دلالة مباشرة، فالفرد المعين المعلوم الذي هو طه حسين، يشار إليه مباشرة باسمه، فكأن اسمه يشير إلى معناه دون الحاجة إلى إضافة كلمات أخرى إليه تساعده إلى إفراد مسماه من بين سائر الأشياء، وأما العبارة الوصفية الخاصة فمعناها تحدده معاني أجزائها.
Shafi da ba'a sani ba