Matsayi Daga Metaphysics
موقف من الميتافيزيقا
Nau'ikan
وإذا قلنا إن المقياس الذي لا مقياس سواه لقبول الجملة الخبرية هو أن تكون الجملة ممكنة التحقيق في حدود الخبرة الحسية، فلسنا نشترط بهذا شرطا جزافا تمليه أهواؤنا، وكان يمكن لهذه الأهواء أن تتغير فيتغير المقياس المشترط تبعا لذلك، بل هو شرط مستمد من طبيعة اللغة نفسها، التي يتم بها التفاهم، ويستحيل على من ينقل إلينا علما جديدا عن العالم، أن يفعل ذلك بغير لغة أو ما يقوم مقامها من رموز، فإذا حللنا هذه اللغة التي هي بحكم الضرورة أداة نقل الخبر، ثم وجدنا أن طريقة فهمها هي نفسها طريقة تحقيق الخبر المنقول بها، نتج عن ذلك بالضرورة أن يكون شرط الكلام المقبول هو أن يكون ممكن التحقيق، ما دام قائله يدعي أنه يقول به علما جديدا عن العالم، ولا يكتفي بمجرد تحليل لفظة أو عبارة بمعناها الذي يريد أن يصطلحه لها، كما أنه لا يريد بكلامه هذا أن يعبر عن شعور ذاتي في نفسه ليثير في نفس السامع شعورا ذاتيا شبيها به.
لا تكون الجملة الخبرية ذات معنى إلا إذا كان في وسع سامعها أن يعرف كيف يمكن له أن يحققها إذا أراد، أعني إلا إذا عرف أي الخبرات الحسية - من مشاهدات ومسموعات ... إلخ - عساه واجد في عملية تحقيقها، بحيث ينتهي به هذا التحقيق إلى تصديق أو تكذيب، «لو تقدم لك عالم بقضية لا يمكن أن تستنبط منها ما عساك أن تدركه بالحس، فماذا يكون موقفك إزاءه؟ افرض مثلا أنه زعم لك أن الأجسام لا تتأثر فقط في مجال الجاذبية تبعا لقوانين الجاذبية المعروفة، بل أضاف إلى ذلك زعم آخر، وهو أن للأجسام مجالا آخر تتأثر فيه أيضا، وهو مجال «اللاذبية»، فإذا سألته: ماذا عساي أن أشاهد في ظواهر الأجسام مما ينتج عن هذا المجال «اللاذبي» تبعا للنظرية المزعومة؟ وأجاب بأنه ليس هناك أثر مما تمكن مشاهدته بالحواس، أو بعبارة أخرى: إذا سألته هذا السؤال فاعترف بعجزه عن تقديم طريقة معلومة يمكننا بمقتضاها أن نعلم ما يمكن مشاهدته بالحس مما يطرأ على الأجسام في مجالها «اللاذبي»، فماذا يكون موقفك إزاءه؟ لا شك أنك ستقف من كلامه موقفك من الكلام الذي يتخذ صورة الكلام وليس منه، إن كلامه فارغ لا يتحدث به عن شيء قط.»
13
فلو استثنينا تحصيلات الحاصل التي تقولها الرياضة والمنطق؛ وجدنا أن كل عبارة مقبولة إنما يكون معناها هو نفسه طريقة تحقيقها، أي إن طريقة التحقيق ليست مجرد وسيلة توصلك إلى معنى العبارة، بل هي نفسها المعنى، وعلى ذلك فإن لم يكن لعبارة ما طريقة نحققها بها، فهي بالتالي عبارة لا معنى لها.
ويترتب على ذلك أن العبارة المقبولة هي التي تتنبأ لك بمجموعة من أحاسيس - بصرية وسمعية ولمسية - أنت ملاقيها إذا كانت العبارة صادقة، وليس معناها إلا هذه المعطيات الحسية التي تتنبأ بها، وعلى ذلك فلو أردت أن تحلل عبارة لترى إن كانت مما نقبله أو لا نقبله، فما عليك سوى أن تلتمس فيها العناصر الحسية الأولية التي تتنبأ بها، فمثلا: «هذه منضدة» يمكن تحليلها إلى «أرى بقعة لون» «ألمس صلابة» ... إلخ، وعبارة «في الغرفة المجاورة منضدة» يمكن تحليلها إلى «إذا ذهبت إلى الغرفة المجاورة فسأرى بقعة لون، وسألمس صلابة ... إلخ».
هكذا تكون العبارات التي نقولها عن العالم من حولنا - إذا لم يكن الجزء الذي نتحدث عنه أمام الحواس مباشرة - بمثابة «وعود» بأحاسيس إذا اتخذت هذه الوقفة أو تلك، وأقرب شبه لذلك أن نقول إن معنى العبارة «لي مائة جنيه في البنك» هو أني إذا كتبت شيكا صورته كذا وكذا، صرفت لي الجنيهات المائة، وعلى هذا يكون العالم الغائب بالنسبة لنا عالما تحت الحساب، كما هي الحال في ودائعنا في البنك، فنحس كذا وكذا لو فعلنا كيت وكيت. أما العبارة التي ليس فيها أبدا ما يدل على فعل نفعله لكي نحس هذا الإحساس أو ذاك فهي عبارة فارغة ليس لها معنى، كقولنا مثلا: إن المطلق يتدخل في تطور الأشياء».
وإذا قلت لي كلاما لا أجد في الخبرة الحسية شيئا يتأثر بالفرق بين صدقه وكذبه، فهو كذلك كلام فارغ لا تحدثني به عن شيء، أريد أن أقول إنك لو زعمت لي زعما في جملة معينة، ثم خرجت إلى عالم الأشياء لأصدقك في زعمك أو أكذبك حسب ما أجد في ذلك العالم، فلا أجد زعمك هذا يناقض شيئا من مشاهداتي سواء فرضت فيه الصدق أو فرضت فيه الكذب، فالجملة فارغة من المعنى؛ لأن الكلام المفهوم الذي يحمل معنى، هو الذي أتصور به فرقا في أشياء العالم الخارجي بين حالتي صدق ذلك الكلام أو كذبه.
لو قلت لي إن على المنضدة كتابا وقلما، فقولك هذا مفهوم مقبول؛ لأن صورة المشاهدات الحسية التي ألاقيها في خبرتي في حالة صدقه تختلف عن صورتها في حالة كذبه.
لكن إذا قال قائل: إن للكتاب مثالا عقليا أفلاطونيا قائما في عالم المثل، فأين يكون الاختلاف في مشاهداتي للكتاب بين حالتي صدق هذا القول أو كذبه؟ لا اختلاف، وإذن فلا معنى، ولنذكر القارئ بأننا ها هنا نحصر كلامنا في الجمل الخبرية، مستبعدين الجمل التحليلية التي هي تحصيل حاصل لا يضيف علما جديدا، والجمل الشعورية التي يراد بها إثارة شعور السامع؛ لأن هذه وتلك لا تدعيان أنهما تصوران حقيقة في العالم الخارجي.
وقل مثل ذلك في السؤال الذي يجوز إلقاؤه، فالسؤال الذي يستحيل أن نجد له خبرة حسية ممكنة تمكننا من الإجابة عليه، ليس بالسؤال الذي يقبله المنطق؛ لأنه عندئذ يكون قد اتخذ الصورة النحوية للسؤال دون الصورة التي تجعله ممكن الجواب، لو سألتك: ما عمق المحيط الأطلسي عند نقطة كذا؟ كان سؤالي مقبولا؛ لأن الإنسان في وسعه أن يتصور نوع الخبرات الحسية التي يمكن أن تقع في محاولة إيجاد الجواب، أما إذا سألتك ما مقدار زوايا الإنسان؟ كان السؤال مرفوضا، لا لأنه أصعب من أن يتناوله العقل البشري، بل لأنه ليس في وسعنا أن نقول ما نوع الخبرات التي عسانا أن نمارسها في الإجابة عليه.
Shafi da ba'a sani ba