291

الحقيقة معلوم وجودي، أو تصديق تصوري، وكل حقيقة لا بد من كونها إما أولية، أو قضية. فالأولية هي حكم لا يحتمل الرد، والقضية هي حكم يحتمل القبول أو الرد. فإذا قلنا القمر جرم إنما يكون ذلك أولية لعدم احتماله الرد، وإذا قلنا القمر مسكون إنما يكون ذلك قضية لاحتماله الرد إذ لا يوجد حجة قاطعة.

والحقيقة تنقسم إلى طبيعية وأدبية. أما الحقيقة الطبيعية فهي أمر ثابت الوجود في نفس الطبيعة، أو متجدد بين حوادثها، كثبوت وجود الشمس وتجدد حصول الفصول. أما الحقيقة الأدبية، فهي أمر وهمي يوخذ على التصورات العقلية وحوادثها، أو عن شرايع النظام البشري، كحقيقة نفع العلم وضرر الجهل.

والحقيقة الطبيعية تنقسم إلى أصلية وفرعية، وفاعلية وانفعالية، ولازمة ومتعدية، وذاتية ونسبية، وآلية وعضوية، وجوهرية وعرضية.

والحقيقة الأدبية تنقسم إلى وجودية، وعدمية، وأصلية، وفرعية، وحقيقية، ومجازية.

في الحقيقة الطبيعية الأصلية

إن الحقيقة الطبيعية الأصلية هي معلوم يستمد حكمه من أصله الطبيعي. وذلك كما إذا قلنا: المغناطيس يجذب الحديد، والهواء يحمل الصوت، والعصب آلة الحس. فإن جذب المغناطيس للحديد وحمل الهواء الصوت والعصب للحس هي حقايق طبيعية أصلية لعدم استمداد أحكامها من غيرها، فتأمل.

في الحقيقة الطبيعية الفرعية

إن هذه الحقيقة هي عكس المتقدمة لكون حكمها مستمدا من غيرها، أي من حقيقة أصلية. وذلك كما إذا قيل: لا تميل الإبرة إلا إلى الجنوب، ولا صوت في عدم الهواء، وإذا انفلج عضو بطل حسه. فإن هذه الحقايق تدعى فرعية لكون أحكامها مستمدة أو متفرعة من الحقايق الأصلية المتقدمة، وهي وجود كثرة المغناطيس في القطب الجنوبي، وكون الهواء يحمل الصوت، والعصب آلة الحس، فتبصر.

في الحقيقة الطبيعية الفاعلية

الحقيقة الطبيعية الفاعلية هي معلوم متى ذكر أحدث في الذهن صورة معلوم طبيعي آخر لوجود علاقة فعلية بينهما. كما إذا قيل: الحرارة تذيب، أو الخمرة تفرح، فإن ذلك يستوجد في الذهن حصول صورة جسم يذوب ونفس تفرح. على أن الإذابة والتفريح أفعال تستوجب لها مفعولات يدركها الفهم من طبيعة الفعل نفسه، وقس على ذلك.

Shafi da ba'a sani ba