284

لما كان ليس يحسن أن يعيش الإنسان وحده، اتخذ له امرأة تكون عونه ورفده، فيخدمها في العيال، ويستخدمها في البعال، فالمرأة خير الأصحاب، وأطيب الأحباب، ولا تطيب الحياة إلا بها، ولا يصحب سرور إلا باصطحابها، وهي الشريكة في تقويم الحياة الطبيعية، والرفيقة في تثبيت الحياة الأدبية. فإذا كانت صالحة كانت فخرة لأهلها، ونعمة لبعلها، وأساسا لدارها، ومركزا لمدارها، وتهذيبا لذويها، وتأديبا لبينها، وغنى في الإقلال، وراحة في البلبال، وسترا للطالحات، وكشفا للصالحات. وإذا كانت شريرة إنما تكون ذلا لأهلها، ونقمة لرجلها، وزلزلة لدارها، وزعزعا لمدارها، وشكا لذويها، وعثرة لبنيها، وفقرا في الغنا، وغما في الهنا، وفضيحة للمعايب ونميمة ومثالب، وهذرا ومذر، وغمزا وشذر، وانتقالا من وحلة إلى طمس ومن رذيلة إلى دنس، فهي تناجي بأرماز الميل، وتحاجي بألغاز الليل، حتى إذا ما جاشت فأجهشت، وبشت فهشت، رجعت مخادعة بلحظ يغزل رموزا، ومخادنة بقلب يحيك نشوزا، فمخفوض ينصب شراكا، ومقصور يمد شباكا، فتكون شر الأصحاب، وأخبث الأحباب، إلا للباغي والطارق، واللاغي والمارق. ومن شأن الإنسان الميل إلى الأصحاب، والولوع بالاصطحاب، ليتأسى في الشدة، ويستأنس في الوحدة، على أنه لا يستطيع اللبوث على الانفراد، والقرار في الأمور الشداد.

فمن الأصحاب الصاحب الوفي، وهذا يكاد ألا يوجد لشدة ندارته، فهو الموافي في الشدايد، والموالي في العوايد، والمقترب في الابتعاد، والمصلح في الفساد، والصافح في الذنوب، والسامح في العيوب، والمسعف لدى الاقتضاء، والمعين في روع القضاء، والثابت على كل اضطراب، والراسخ في كل انقلاب.

ومنهم الصاحب الغرضي، وهو من يصحب لغرض متى بطل بطلت صحبته، وربما انقلب إلى عدو مبين، وداء دفين، فيرتد على صاحبه بالأضرار، وبإذاعة الأسرار، ليهتك كل ستر مسدول، ويمزق كل حجاب مسبول، فيثلب ويتم، ويقدح ويذم، حتى يكون فمه مملوا مرارة ولعنة، وقلبه ينقلب على ضغينة ونقمة. فحذار حذار، وبدار بدار.

وقد قيل:

عدوك من صديقك مستفاد

فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه

يكون من الطعام أو الشراب

وربما أعقبت ألفة زوال أغراض، وقام جوهر عقب أعراض، فيتلو ذلك صحبة جديدة، وتنشأ صداقة حميدة، إلى أن ينقلب القلب العديم الثبات، ويغفل الود الكثير السبات.

ومن أصحاب الأغراض يوجد المملق، والراهن، والمطرئ، والملاسن، والناصح بالأباطيل، والهادي بالأضاليل، والساعي بالخير على قدم الشر، والمهم بالنفع على همم الضر. ومنهم الصاحب البسيط، وهو من لا يفي ولا يخون، ولا يهتك ولا يصون، ولا يحب ولا يبغض، ولا يقبل ولا يرفض، فلا يتقاعس ولا يحفل، ولا ينشط ولا يكسل، ويتوجه حسب البواعث، ويتحادث طبق الحوادث، فلا تهمه حضرة ولا معاينة، ولا تمضه غيبة ولا مباينة، فهو يصلح للمنادمة والمجالسة، والمفاكهة والمؤانسة، على أنه نعم نديم مسامر، وخير جليس محاضر.

Shafi da ba'a sani ba