135

Mashahid Mamalik

مشاهد الممالك

Nau'ikan

خلاصة تاريخية

إن القطر التونسي واقع في شمال أفريقيا، يحده من الشمال بحر الروم، ومن الشرق بحر الروم وطرابلس الغرب، ومن الجنوب الصحراء الكبرى ومن الغرب الجزائر. وتاريخه ممتزج بتاريخ الجزائر، وقد فصلناه من قبل، ولكننا تكملة للفائدة نورد هنا فذلكة موجزة من تاريخ تونس على عهد البايات، فنقول : «كانت الفتن والقلاقل دائمة في أبالة تونس، وكان الباي لا يعتم أن يتقلد منصبه حتى يعزل أو يقتل، ومن كان منهم ذا بطش يأمر بقتل كثيرين ليستتب له الأمر، فكانت البلاد في حالة من الفوضى حين تولاها حسين باي الذي تبتدئ الدولة الحسينية منه، وهي الدولة الحاكمة الآن.»

تولى حسين باي، وكان أبوه يوناني الأصل اعتنق الإسلام، وجعل الولاية إرثا في عائلته للأكبر سنا من أولاده، وقد حصل أن ابن أخيه علي نازع عمه الملك وحاربه وقتله وانتزع الولاية منه. وكانت مدة ولاية حسين من سنة 1705 إلى سنة 1740، قرأت في كتاب أن عليا قتل عمه بيده، فكان أبدا يراه في حلمه متألما متوجعا، ولم يهنأ بالولاية؛ لأن التونسيين ذاقوا طعم الراحة، والسير على أحكام القانون، فساءهم ما فعل علي بعمه حسين، وكانوا يودون أولاد المقتول، وهما محمد وعلي اللذان حاربا قاتل أبيهما ودخلا تونس بمساعدة الأهالي وقتلاه. وكانت مدة ولاية علي من سنة 1740 إلى سنة 1756، ثم نودي باسم أحدهما محمد باي لولاية تونس، وكان محمد هماما عالما، توفي بعد أن ولي الولاية من سنة 1756 إلى سنة 1759، وخلفه أخوه علي باي، فسار سيرا محمودا، وله مآثر يذكرونها إلى الآن، وكانت مدة ولايته من سنة 1759 إلى سنة 1782. وخلفه ابنه حمودة باي، وهو الذي حارب جمهورية البندقية، وكان لها الحول والطول في ذلك الزمان وحارب جيرانه الجزائريين، وكان معه على ما يقال خمسون ألف مقاتل، فدارت الدائرة على الجزائريين ثم تصالح الفريقان، وتوفي حمودة باي، وكانت مدة ولايته من سنة 1782 إلى سنة 1814. وخلفه أخوه عثمان باي، ولكنه لم يهنأ بالولاية؛ لأنه قتل في تلك السنة. وخلفه محمود باشا باي، كان محبا للسلم مع أوروبا والجزائر، وتوفي بعد أن حكم من سنة 1814 إلى 1824، وقام بعده ابنه حسين باي الذي عقد الشركات مع بعض الإفرنج لاستخراج المرجان في السواحل، وكانت مدة ولايته من سنة 1824 إلى سنة 1835. وحكم بعده أخوه مصطفى باي من سنة 1835 إلى سنة 1837. وخلفه ابنه أحمد باي، فنظم الجيش والبحرية وسار على خطة الوداد مع أوروبا ولا سيما مع فرنسا، فإنه ذهب إلى باريس وقوبل بالإكرام الزائد، ثم توفي سنة 1855. فخلفه ابن عمه محمد باي، ولكنه أظهر العدوان لفرنسا وحدثت له مشاكل معها، وكانت مدة ولايته قصيرة، أعني من سنة 1855 إلى سنة 1859، وخلفه محمد الصادق باي، وكان فاتر الهمة تاركا لوزيره مصطفى خزندار التصرف المطلق في تدبير شئون الحكومة، وكان هذا الوزير يقترض الأموال الطائلة من أوروبا بفائظ فاحش، قيل إنه جمع لنفسه ثلاثين مليون فرنك من هذه الديون وغيرها، فوقعت تونس في ارتباك مالي، واشتدت حاجتها إلى المال لدفع ماهيات الموظفين، فصبت المدافع النحاسية وضربتها نقودا دفعت منها إليهم وإلى غيرهم باعتبار قطعة النحاس قرشا صاغا.

وقد حدث مثل هذا في مصر أيام الخديوي إسماعيل ، فإنه صرف للموظفين بالحكومة جانبا من الماهية نقودا نحاسية بقيمة النقود الفضية. ولكن هذا لا يذكر أمام التقصير في دفع فوائظ الأسهم من حكومة تونس للمداينين الأوروبيين؛ لأنه نتج عن ذلك تشكيل لجنة دولية للنظر في المالية التونسية، كما حصل في مصر أيام إسماعيل باشا. ومما زاد الطين بلة أن المال المفروض على القبائل والأفراد والممتلكات زاد لتسديد فوائظ الديون، فنتج من ذلك ثورة، وخاف الأوروبيون على أرواحهم وأموالهم، فساقت فرنسا عساكرها من الجزائر إلى تونس واحتلتها بدعوى تعضيد الباي وصيانة أرواح وأموال رعاياها، ومنع تعدي قبائل التونسيين على أراضي الجزائر، وطلبت من محمد الصادق باي وضع ولاية تونس تحت حمايتها، وكان القنصل الفرنسوي في تونس المسيو روستان من أهل الحزم والقوة عرفه أهل الإسكندرية؛ لأنه ناب فيها عن دولته زمانا، وهو مثل المسيو تريكو الذي كان قنصل فرنسا الجنرال في مصر أيام تنازل إسماعيل باشا. وقد ذهب القنصل المذكور إلى قصر الباي ومعه العساكر، فخاف الباي ورضي بوضع ولاية تونس تحت حماية فرنسا، ووقع على المعاهدة في 12 مايو سنة 1881 في قصر السعيد. ومن وقتها صارت فرنسا صاحبة الحل والعقد، وعينت من قبلها وكيلا (رزيدان) أو هو المقيم أو الحاكم العام، ينظر في جميع شئون البلاد.

محمد الناصر باشا باي تونس.

ومن بعد مرور سنة توفي محمد الصادق باي، وكان علي باي على جانب عظيم من العلوم والمعارف عرف بالصلاح وطيبة القلب، وتوفي سنة 1902 فخلفه ابنه محمد عبد الهادي باشا باي. وبما أني تشرفت بمقابلة سموه في قصره في درمش في تونس حين كان ولي العهد، فترى الكلام عن سموه في وصف تونس. وقد أرسلت من مصر تلغرافا إلى سموه حين تولى تونس فيه تعزية وتبريك، وكانت مدة ولايته من سنة 1902 إلى سنة 1906، وخلفه ابن عمه الحالي سمو الباي محمد الناصر باشا، وله منزلة كبرى عند التونسيين والفرنسويين، وقد توسموا فيه خيرا، فذهب للحال مندوب من طرف الوزير المقيم الفرنسوي لقصر الباي الجديد في سيدي أبي سعيد ليقدم لسموه التعزية باسم الجمهورية الفرنسوية. وفي الغد جرت حفلة الولاية، وهي في تونس لها شأن عظيم فاقت كل الحفلات في عهد سمو الباي الحالي، ودامت طول النهار فاصطفت العساكر من فرنسويين وتونسيين على الجانبين. وكانت البلدة عن بكرة أبيها تتفرج على الموكب الذي قام من قصر الباي في سيدي أبي سعيد إلى قصر الباردو الرسمي في المدينة، وكان الباي جالسا في العربة الأميرية ووراءها العربات تقل آل البيت الحسيني ورجال الحكومة، فاحتشدت الناس ألوفا مؤلفة لتحيي الباي الجديد. فلما وصل الموكب إلى قصر الباردو (سنذكره في وصف تونس)، كان الناس يصيحون «فليعش سمو الباي» حتى دوى الفضاء بصياحهم، وعزفت الموسيقى سلام الباي، ثم دخل سموه قاعة العرش وجلس فوقه من حوله آل البيت الحسيني الكريم والوزراء والعلماء والمشايخ. وحين ذاك تقدم الباش شاطر ونطق بصيغة الولاية، ومن بعدها استقبل سموه رجال الحكومة العظام وقناصل الدول، ثم عاد بالعز والإقبال إلى قصره حيث تمت حفلة وجيزة قلد بها ابن عمه الأمير سيدي محمد الحبيب شعار ولاية العهد.

وقد أجمع الجميع من تونسيين وفرنسويين على حب سمو الباي الحالي واعتباره؛ لأنه طاهر القلب يحب بلاده حبا مفرطا، ويعمل على ترقية رعاياه وتقدم بلاده.

تونس

هي ترشيش القديمة، وقد أطلق عليها العرب اسم تونس بعد الفتح الإسلامي؛ لأنهم في ما روى أحد المؤرخين جاءوا هذه الجهة وأقاموا فيها مضاربهم، فسمعوا رهبان الروم في الليل ترتل الأنغام، وقالوا إن هذه بقعة تؤنس، فبقي لها هذا الاسم إلى الآن. وذكر ابن ياقوت أنه سأل بعض النصارى عن حقيقة اسمها، فقالوا إنها تنس، ومعناه ما تقدم. وقد اشتهرت في كتابات العرب باسم تونس الخضراء على حد قولهم حلب الشهباء ودمشق الفيحاء، وهي في منبسط من الأرض، تدور بها بحيرة من الشرق والشمال طولها 6 أميال، وعرضها 8 ومسافتها نحو 10، وعمقها لا يزيد عن مترين. وقد كان موقع هذه البحيرة أرضا تزرع فطغى عليها ماء البحر وصيرها بحيرة. ولما كانت بحيرة تونس قليلة العمق، فهم كانوا يلقون عناء في نقل الأبضعة إلى المدينة؛ لأن البواخر كانت ترسو في البحر وتفرغ أبضعتها في صنادل تسير في البحيرة إلى الكمرك، فتلافت إحدى الشركات هذا الأمر وحفرت ترعة في وسط البحيرة طولها 6 أميال وعمقها يكفي لأن تمخر البواخر، فهي الآن تدخل من هذه الترعة وترسو في الميناء الذي أنشئ لهذه الغاية، وتفرغ شحنها في الكمرك.

ويقدر أهل تونس الآن بحوالي 140000 نفس، منهم 70000 مسلمون و40000 يهود، وهم - أي اليهود - فيها وفي كل بلاد تونس طائفة كبيرة بسبب ارتحالهم إليها من فلسطين بعد خراب مملكة إسرائيل، وزاد عددهم أيضا من مهاجرة القوم إليها من إسبانيا حين طردهم المسلمون، وبقية السكان نصارى، منهم 11000 من إيطاليا و10000 من مالطة، فمعظم الأوروبيين فيها من هذين القطرين بسبب اقترابها منهما؛ فإن مدة السفر من تونس إلى مالطة 14 ساعة، وإلى صقلية من أعمال إيطاليا 12 ساعة.

Shafi da ba'a sani ba