وإنه لأمر معلوم أن الرومانيين أخذوا صناعة الخط عن اليونانيين أو عن الذين تعملوا منهم «أي عن السريان»؛ فإنه مسطور في صحف اليونانيين القدماء أنه في سنة 2560ق.م، جاءت فئة من أهل الشام بزعامة رجل اسمه قدم إلى أرض اليونان، وأخذت معها صناعة الكتابة، وصار اليونانيون يكتبون بالسريانية، وحفظوا أسماءها السريانية بعينها، وأبقوها على الترتيب والصيغة الأصلية مع الألف الملحقة، بخلاف اللاتينيين الذين أضاعوها، وبدءوا يكتبون من اليمين إلى اليسار، ثم تركوا هذه العادة، وربما صاروا يكتبون على أسلوب الحراثة، ثم من اليسار إلى اليمين إلى يومنا هذا. ومن العجب أنه لا يوجد من يكتب من اليمين إلى اليسار إلا السريان والعرب والعبران والبهلويون؛ أي الفرس القدماء.
وزعم البعض أن الرومان أخذوا صناعة الخط رأسا عن السريان؛ لأن بعض الحروف اللاتينية تختلف عن اليونانية وتقرب من السريانية، وبعض الحروف السريانية سقطت من أبجدية اليونان وموجودة في الرومية، وهما: و، ق.
وهكذا الفرس، فإنهم كانوا يكتبون بالسرياني، وإلى يومنا هذا حفظ القلمان الفارسيان وهما الزندي البلوي، وهما مأخوذان من القلم السرياني.
القلم العبري: لا بد أن ترتيب الحروف الأبجدية قد اتخذته إحدى الأمتين من الأخرى لاتحاده عند كلتيهما. ولما كان اليهود في عبودية وتيه وبلبلة ولم يحصلوا على شيء من العمران والقوة الأدبية إلا في نحو زمن الملك داود؛ فالغالب أنهم لم يخترعوا هذا الترتيب، بل أخذوه عن السريان.
والمعلوم أن الأرمن كانوا يكتبون السريانية قبل اختراع حروفهم الجديدة في القرن السادس. وقد ذهب المحققون إلى أن أفضل الأقلام في بلاد الهند وما يجاورها وفي بلاد الحبشة أيضا مأخوذة عن الآرامي.
ولقد تعلم العرب الكتابة من السريان، وأخذوا عنهم القلم السرياني، وهو الذي يستعملونه إلى الآن، إلا أنهم أحدثوا فيها بالتدريج تغييرا كثيرا.
أما القلم الذي اخترعه الآراميون فلا نعرف بالتحقيق كيف كانت صور حروفه، ولكن ذهب بعضهم إلى أنه هو القلم المسماري الذي نراه في النقوش على الأحجار التي كانت مطمورة في مواقع بابل، ونينوى، وهذا القلم قد تغير شيئا فشيئا، وتولد منه القلم السامري كما سبق ذكره، وثمة أقلام لا ترى إلا في الآثار القديمة المنقوشة على الأحجار كالفينيقي في الجانب الغربي من بلاد الشام، وفي مواضع أخرى، والقلم التدمري في آثار مدينة تدمر، والقلم النبطي الذي نتج منه الحميري العربي الذي تولد منه القلم الكوفي، ومن هذا نشأ القلم العربي المعروف اليوم الذي يقال له: النسخي. كل هذه تشبه بعضها بعضا، وتشبه القلم اليوناني واللاتيني أيضا.
أما أقدم قلم آرامي اتصل بنا عهده فهو البابلي الذي استعمل في زمان كورش - ملك فارس - والذي تعلمه اليهود في بابل، وهم يستعملونه إلى يومنا هذا، ويسمونه القلم الآشوري، ويسميه البعض اليهودي، ويسميه الإفرنج القلم المربع. أما اليهود فيسمونه القلم المقدس. وقد اشتقوا منه أقلاما أخرى أقل زخرفة أطلقوا عليها نصف قلم، كالقلم الراشي، والقلم الألماني الخاص بالروس والألمان اليهود.
والقلم المشهور اليوم عند السريان من بين الأقلام الكثيرة المتولدة هو المعروف بالقلم السطرنجيلي، وهو أول قلم سرياني عرفا وشهرة، وكان مستعملا في نحو القرن الأول ب.م. ويقرب من التدمري، غير أن التدمري للآثار، والسطرنجيلي للكتابة، وحروفه شبيهة بالبابلي، ومنه تولد القلم العامي، ومن هذا تولدت أربعة أقلام: (1)
قلم مختص بالنساطرة والموارنة، وبه تكتب في القرن السابع عشر. (2)
Shafi da ba'a sani ba