وفي المشنا كثير من التناقض، الذي دعا علماء اليهود يغلقون باب الاجتهاد وتحريمه منذ نحو 1450 سنة، فوقع تفسيرهم هذا في عشرين جزءا كبيرا، عرفت باسم التلمود من مصدر مد بفتح فضم ممدودا، بمعنى تعلم علم، ومنها تلميد بمعنى تلميذ، وعرف أيضا «بجمرة» من مصدر «جمر» بفتح فضم ممدود، بمعنى أتم أو وفى؛ أي إن الجمرة أتم وأكمل من المشنا، التي هي التفسير دون الترجيح والشرح. أما التلمود فيصدق على المشنا والجمرة. (14) الفرق اليهودية البائدة
ورد ذكر الفرق اليهودية البائدة في كتاب الملل والنحل ولم يرد في المقريزي، وهم العيسويون، واليودجآنيم، والشدجئوينم، والموشكتم، والشهركينم. (15) السفرويم والإشكنازيم
السفرويم بمعنى الإسبانيين والإشكنازيم الألمانيين؛ أي من اليهود الذين أقاموا في إسبانيا وألمانيا، بعد جلائهم، وإن كانوا قد انتشروا في جهات أخرى أيضا. والسفرويم يحرمون تعدد الزوجات، ويقيدون الذبح والصلاة بقيود، في حين أن الإشكنازي يتسامح فيما يتشدد فيه السفردي. (16) الصهيونيون
أما الصهيونيون، فهم ذلك الفريق من اليهود الذي يسعى جاهدا لاستعادة الدولة اليهودية المستقلة ذات السيادة، مستمسكا بأن فلسطين هي الوطن القومي اليهودي الأصيل، وبأنه ينبغي فتح باب الهجرة إليها لكي يصبح اليهود أكثرية والعرب أقلية. وهذا ما سنوضحه في الجزء الأخير من الكتاب، وحسبنا أن نقول هنا: إن صهيون الذي ينسب إليه الصهيونيون هو تل أو جبل صغير في القدس، وإنه من قبيل إطلاق الجزء على الكل؛ أي القدس.
الفصل الرابع
بداية الدولة اليهودية
كان بين الأقوام التي تقسمتها الاختلافات اللغوية وغادرت مواطنها الأصلية، بعض القبائل التي من الأصل السامي الرحالة الساكنة بين الدجلة والفرات، قد طردها المغيرون والظالمون إلى سواحل البحر المتوسط، وكان الطيراقيون أو العبريون من نسل إبراهيم الذين لم يكن الإسرائيليون سوى فرع منهم. وكانت فلسطين أول مهبطهم، وكانت أخلاقهم ساذجة لكونهم رعاة وزراعا، وكانوا يقودون قطعانهم في أعالي البلاد في وادي نهر الأردن، وعلى مقربة منهم كان يسكن الكنعانيون «أو الفينيقيون» الذين استعمروا ساحل البحر المتوسط، وأكثرهم من الملاحين والتجار، وعنهم تلقى الإسرائيليون هاتين المهنتين؛ مما كان له الأثر البعيد في مصير الإسرائيليين.
وحين دخلوا مصر كانوا يتألفون من ستين أبا أسرة، فلما خرج أبناؤهم منها كانوا - كما ذهب مؤرخو الفرنجة - أمة أصبحت تؤلف مملكة من الكهنة، أمة مقدسة، ومنحوا قانونا، حفره «موسى» على ألواح من الحجر، فحفر في قلوب الإسرائيليين. خوطب بها العقل والقلب ومنحها دستورا أساسه «جمهوري وديموقراطي، وأن الله هو مرشد الخلق والمثل الأعلى للعدالة وليس له من يمثله على الأرض.» وخلف موسى نبي آخر، كان هو وأعضاء المجلس الأعلى أنبياء من الشعب وللشعب من غير تفريق بين طبقة وطائفة.
لم يتح للإسرائيليين بعد موسى وجوزيه، عظيم يسعه صون وحدة الأمة ويكافح الفوضى والغزو الخارجي، وكانت قبائلهم بين أن تخضع للأجنبي أو أن يسعها أن تتحرر من نيره لا يعنيها غير المصلحة الوقتية؛ فنسيت ديانتها، وعبدت آلهة الفينيقيين.
وبعد فترة طويلة مليئة بالمآسي، ظهر رجل الساعة القاضي العادل «صمويل» بعد ثلاثة أجيال من وفاة «موسى »، ثم نزلت الهزيمة بهم في حربهم مع الفلسطينيين. هذا؛ وقد كان صمويل، مع مدرسة من الأنبياء بالبلاد، موحدا القبائل، وبعد ذلك تمت وحدة الأمة، التي طلبت من صمويل ملكا فانتقلت من الجمهورية إلى الملكية. وفي عهد الملوك الثلاثة الأولين - خاصة الملك داود - بلغت الأمة أوجها السياسي. كذلك كان عهد الملك سليمان، فاتسعت مساحة المملكة من سوريا إلى البحر الأحمر، وتقدمت تجارتها وامتدت ملاحتها، وعقدت مع جارتيها مصر وفينيقيا المعاهدات، وأخرجت آدابها الوطنية، وأسست عاصمتها «أورشليم» ومعبدها «موريا»، وركزت جميع قوى الأمة، غير أن هذا النعيم قد أفضى بها إلى الإسراف في الظلم.
Shafi da ba'a sani ba