فقدمت أول ما وضعوه من تفسيرهم مرتبا من السور والآيات، ثم بعد ذلك أرتب عليه إن شاء الله ما ظفرت به من تفسيرهم وتفسير أسباطهم مفرقا من الآيات والسور المتباينات فإنهم عليهم السلام قد استخرجوا من علم القرآن ما لم يستخرجه غيرهم علوما غزيرة، وجواهر منيرة، ونفائس خطيرة، وقد ذكرت مع ذلك من تفسير غيرهم فوائد كثيرة، وليعرف المطلع على ذلك تفاوت مرتبتهم ومرتبة غيرهم، وبلوغ قولهم منزلة تسلب الألباب حلاوتها، وتدهش العقول سلاستها، فكانت علومهم لكلوم الشكوك مرهما ممن يرى إيثار رضى ربه مغنما لا مغرما، فما أشفى كلامات الأئمة الهادين، وأوقعها في قلوب المتقين وما أكثر فوائدها لمن تدبرها من المؤمنين العارفين، ثم هم مع ذلك يغرفون من عين واحدة وعلى أكاليمهم طلاوة غير الطلاوات، ولها حلاوة مخالفة لسائر الحلاوات، ولا غرو أن كانت كذلك إذ على قولهم مسحة من العلم الإلهي، وعبقة من الكلام النبوي، إذ هم حجج الله على براياه، وهداياه السنية وعطاياه، من استمسك بهم هدي إلى دار السلام، وثبت في بحبوحة الإسلام، فعليك رحمك الله بتفسير العترة المطهرة ينحل منها بكل جوهرة منورة، ويحييك الله حياة طيبة، وينيلك منحا صيبة كما قال بعضهم في الحظ على الاعتماد على تفسيرهم دون غيرهم في كلام معناه: وعليك بتفسير عترة رسول الله، وخزنة علمه، وتراجمة كتابه الذين قاتلوا على تأويله كما قاتل آباؤهم على تنزيله، فإنه تفسير عجيب أمره لطيف ظاهر نوره، مشتمل من علم أئمة العترة على بحور تثلج أمواهها الصدور وتطلع متأملها على حقائق مذاهب العترة وما اختاروه لأنفسهم وأبنائهم وشيعتهم الصدور، ورأيتهم عليهم السلام ينكرون كثيرا من تفسير غير الأئمة الأطهار، وشيعتهم الأبرار، ولا يرون ما اختاروه صوابا، وهو عند أئمتهم غير مختار.
ومن ذلك قول زيد بن علي عليهما السلام فإنه قال في كتاب الصفوة ما لفظه: وقد رأيت ما وقع الناس فيه من الاختلاف تبرءوا وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم اعتنقت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك بخلاف ما تأوله عليه غيرهم ثم بريء بعضهم من بعض، وكلهم يزعم فيما تزين له أنه على هدى في رأيه وتأوله، وأن من خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك لابد لك هوى منهم أن يقول بعض ذلك، وكل أهل هوى من هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر الله فيها صفوة أو حبوة أو هدى لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكل يزعم أنه إن خالفهم أهل بيت نبيئهم في رأيهم وتأولهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيئهم صلوات الله عليه وعليهم لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم إلى آخر كلامه عليه السلام في هذا المعنى .
Shafi 56