ومصداق هذا الكلام قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) . وقال قابوس بن وشكير لما قبض أركان دولته عليه وأرسلوا إليه وهو في السجن من يقتله فقال: ما سبب قيام أهل مملكتي علي مع إحساني إليهم وتربيتي إياهم قالوا: كثرة إراقتك الدماء هو الذي أوجب تغيير خواطرهم عليك، فقال: لا والله وإنما سبب ذلك قلة إراقتي الدماء يعني لو أراق دماء القائمين عليه لما قبض عليه ولكن لما أهملهم قبضوا عليه وجرى لهم ما جرى، ثم أعلم أيها الحكيم الفاضل أن مزاج الزمان قد فسد وقد أعرضوا عن طاعة السلطان إلى مخادعة الشيطان وكل منهم قد باض الفساد في دماغه وفرخ وتصور بخيالاته الفاسدة ومجالاته الكاسدة أنه بصير إلى ما يطلب ويبلغ ما يريد وهيهات كما قيل:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وسامها كل مفلس
وهذا لأنهم كما قال الله تعالى: (في حقهم يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) ولم يشعروا أن السلاطين هم ممن اختارهم الله ﷾ للقيام بأمور عباده فهم في الحقيقة ملحوظون بعنايته وكما أن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الله تعالى من خلقه من غير كد منهم ولا سعي في تحصيل الرسالة صدر عنهم وإنما محض منحة من الله تعالى كذلك الملوك والسلاطين هم صفوة الله تعالى من خلقه اختارهم لأن يكونوا خلفاء في أرضه وقد غفل أهل هذا الإقليم والممالك عن إدراك هذه الحقائق وعدوا المكر والخداع من جملة العقل والكياسة والتحيل على أقوال الناس ومظالم الناس من الفطنة والذكاء وتملقهم للسلاطين. فمن أسباب الوصول إلى الأغراض من تحسين الظاهر وتزيين ما يراه الناس وقلوبهم كقلوب الذئاب فلأجل هذا سلطنا الله عليهم نعامله بما تقتضيه السياسة السلطانية.
1 / 23