فقال طه عنان مدافعا عن أبيه ما وسعه الدفاع: كانت أيام ثورة ولا ثورة الآن.
وكان يغلب على طبعه الجد فنفر من مزاح جعفر خليل. وكنا نقرأ معا بعض كتب التراث، وكثيرا من مؤلفات كتاب العصر من قادة الفكر الجديد، كما كنا نناقش كل شيء بحرية وحماس. ونتطلع إلى مستقبل فكري واحد، وكان يؤمن بالكتب ويرجع إليها في كل ما يهمه من شئون الحياة، ولما اطلع على قصة حبي لصفاء الكاتب دهش وقال: ولكن حالك غير طبيعية!
فقلت باستياء: ولكنها واقع! - أنا أحب أيضا ابنة عمي، ونفكر في إعلان خطوبتنا!
واتباعا لأسلوبه في الرجوع إلى الكتب مضى بي إلى دار الكتب ورحنا نقرأ معا عن كلمة «حب» في دائرة المعارف البريطانية، ثم قال: هذا هو الحب من جميع نواحيه الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية، ومنه ترى أن ما بك ليس حبا ولكنه جنون.
فتمتمت بحنق: جنون!
فابتسم قائلا: لا تغضب، ربما احتجنا لقراءات أخرى!
ولكنا لم نواصل القراءة عن الحب، وقرأنا كثيرا - وخاصة في العطلة الصيفية - عن حقائق جديدة ومتنوعة، وكل شيء كان جديدا، وتعرضنا لأزمات نفسية وعقلية وحشية، وزلزل قلبانا زلزالا.
واقترح علي اقتراحا عجيبا، ونحن جالسان في مقهى الفيشاوي قال: علينا أن نبدأ من العدم! - من العدم؟
فقال بثقة لا تتفق مع انهيارنا: لا سبيل إلى ما مواجهة هذا العذاب إلا بأن نبدأ من الصفر.
ورمقته بنظرة متسائلة بالرغم من أنني أدركت ما يعنيه فقال: من الصفر، ثم نستعيد قصة الحضارة من جديد معتمدين على نور العقل وحده.
Shafi da ba'a sani ba