فقال وهو يشكم رغبته في السخرية: سمعنا وشفنا العجب!
ولقيته بعد ذلك بعامين في مكتب عيد منصور، رأيته في صورة جديدة، منتفخ الوجه والبطن، يشي منظره بحال مرضية لا شك فيها، ولا فكرة لي عنها، فسألته: كيف حالك؟
فأجاب ببساطة مذهلة: بخير كما ترى! - ولكنك لست كعادتك! - سبحان الذي لا يتغير!
فضحك عيد منصور قائلا: أخيرا عرف ربنا.
فسألته: ألم تستشر طبيبا؟
فتساءل بدوره: أتؤمن حقا بالأطباء؟! - لم أذهب ولا مرة واحدة إلى طبيب، ولم يدخل معدتي دواء!
ولما غادر المكتب ضحك عيد منصور، وقال: يبدو أن جنازة وشيكة ستجمع شملنا من جديد!
شرارة النحال
عرفت شرارة النحال أول عهدي بالوظيفة الحكومية. كان عامل التليفون، في العشرين من عمره، ومن حملة الابتدائية حديثا، وكان يلفت النظر بجمال وجهه ورشاقة قده ورقة شمائله، رأيت عم صقر الساعي يمازحه مرة فيقول له: اخلع بدلتك وارتد فستانا وأنا أضمن لك عريسا في ظرف أربع وعشرين ساعة!
وخلت درجة سابعة لوفاة شاغلها؛ فاشتعلت أفئدة كتبة الدرجة الثامنة تطلعا إليها، ولم يكن ثمة قانون ينظم الترقيات، كما كانت الشهادة العليا لعنة على حاملها لما تثيره من حنق في صدور الرؤساء من حملة شهادة الابتدائية القديمة، وفزع كل موظف من الفئة الثامنة إلى من يعرف من الكبراء والشيوخ والنواب، فانهالت بطاقات التوصية على وكيل الوزارة، ووجدت أنا شفيعا - في ذلك السباق - في شخص زميلي القديم عبده البسيوني عضو مجلس النواب، وقابلني الأستاذ طنطاوي إسماعيل في الممشى خارج السكرتارية فاستوقفني متجهما وسألني: أما علمت بالذي رقي إلى الدرجة السابعة؟
Shafi da ba'a sani ba