ولقد قد يطول الزمن حتى يتحقق الحلم، فكيف يواجه أعباء الحياة بمعاش صغير ومكافأة النيابة التي لا تتجاوز الخمسين الجنيه؟ قال رضا حمادة: ستخبرنا الأيام!
وأخبرتنا الأيام بأسرع مما تصورنا، فظهرت مقالاته السياسية في الجرائد الوفدية، بل برز ككاتب سياسي من الدرجة الأولى، إلى مقالات في النقد في المجلات الأسبوعية. وحدث أن كان لزهران حسونة أعمال في الحكومة تحتاج في إنجازها إلى واسطة فطلب منا أن نقدمه إلى صديقنا النائب ففعلنا، ومن يومها توطدت بين الاثنين علاقة متينة. ثم مضت تترامى إلينا همسات عن تصرفات الدكتور زهير كامل غريبة بل مريبة، وقد سألت رضا حمادة يوما: ما رأيك فيما يقال عن زهير كامل؟
فأجابني بامتعاض شديد: يقال إنه أصبح سمسار وظائف.
ثم وهو يهز رأسه في أسف: ويقال إنه يقدم خدمات لزهران حسونة وإنه ينال عن خدماته مكافآت سخية. - وهل صحيح ما يقال؟ - نعم للأسف الشديد، وإني أتساءل أحيانا والحزن يمرر ريقي أي فارق هناك بين الوفد وبين غيره من الأحزاب؟! - ولكن هل تتصور أن زهير كامل نبذ الأستاذية في الجامعة ليمارس النهب والفساد؟ - إني أتصوره وغدا من البدء غير أنه كان يتحين فرصة لاستغلال مواهبه حتى وجدها في السياسة.
وجلسنا يوما نتبادل الأحزان على صديقنا النابغة وحزبنا العتيد، ولما أقيلت حكومة الوفد عقب حريق القاهرة حاول الدكتور زهير الرجوع إلى الجامعة، ولكنه لم يفلح، وواصل حياته ككاتب سياسي، وناقد، ولكنه بات ينظر إلى المستقبل بقلق، وبخاصة وأنه كان اعتاد مستوى من المعيشة الرفيعة، واجتمعنا يوما عند الأستاذ سالم جبر، وكان منفعلا ويقول: ما هذا الذي يحدث بالوطن؟ .. الملك جن، وكل شيء ينهار!
فقال الدكتور زهير كامل: ما أشبه حالنا السياسي بالدكتور إبراهيم عقل الذي بدأ باحثا نابها، وانتهى بالدروشة!
وقال رضا حمادة: أصبح الوفد كزعيمه فهو شيخ هرم طيب يزحف عليه العجز والتدهور.
فقال سالم جبر: لا يمكن أن تدوم الحال على هذا المنوال فماذا عن الغد؟
فقال زهير كامل: ما زال الوفد أفضل الجميع وسيضطر الملك إلى استدعائه عاجلا اتقاء لانفجار ثورة شاملة!
فقال سالم جبر: الثورة أفضل من الوفد.
Shafi da ba'a sani ba