وكان إذا حضر وقت الصلاة قام هو وصحبه فانتحوا جانبا فيما وراء البار، وأدوا الصلاة جماعة وهو يؤمهم . وهو يؤمهم لأنه الوحيد بينهم الذي أدى فريضة الحج. والحق أن الدين كان يشغل حيزا من أحاديثهم لا يستهان به، وهي تفصح عادة عن إيمان بسيط صادق، تختلط فيه العقيدة بالخرافة بالأساطير الشعبية، ولكن لا شك في صدقه، وكانت صحبتهم ممتعة، وكانوا كرماء، وفيهم شهامة أولاد البلد، غير أن عيد منصور قال لنا يوما: جئت لكم بمعلومات طريفة عن الحاج زهران حسونة.
فسألناه عنها فقال: لم يستقل ولكنه اضطر إلى الاستقالة لسوء سمعته. - أي نوع من سوء السمعة؟ - الرشوة!
وعيد منصور يسره دائما أن يثبت أن جميع الناس لا خلاق لهم مثله! قال وهو يضحك: إني أشك في جميع الناس، ولكني أشك بصفة خاصة في المتدينين!
فقال رضا حمادة: ولكن ليس كل متدين منافقا!
فقال عيد منصور وهو يضحك أكثر: النفاق درجة لا يرتقي إليها عم زهران حسونة!
فضحكنا فراح يفسر قوله: النفاق أن تبطن الكفر، وتعلن الإيمان، ولكنه أغبى من أن يكون كافرا، أنا لا أشك في إيمانه. - إذن لعله تورط في الرشوة تحت ظروف ضاغطة! - لعله.
ولاحظنا أن زهران حسونة يعمل بهمة في السوق السوداء، في تجارة الثقاب والويسكي، ثم اشتغل في المواد التموينية، ولم يكن يخفي ذلك بل كان يبدي استعداده لتقديم الخدمات لنا، فلم أملك أن أسأله: ألا ترى يا حاج في العمل في السوق السوداء ما يناقض ورعك؟
فأجابني بثقة: للدنيا أسلوب في المعاملة وللآخرة أسلوب آخر! - ولكن الله لا يمكن أن يرضى عن تجويع الفقراء.
فقال باطمئنان: إني أكفر بالصلاة والصوم والزكاة فماذا تريد؟
فقلت لأصحابي بعد انصرافه: الرجل يرتكب الإثم عن علم لا عن جهل أو نفاق!
Shafi da ba'a sani ba