وهي تضحك في سعادة ناطقة: أنا أعرفك منذ عشرين سنة! - أجل. - كنت من سكان العمارة الخضراء، تذكرها؟ - أمام السبيل بالشارع العمومي!
فقالت بعتاب: ولكني كنت في العاشرة فلم تنتبه إلي. - كنا نمر تحت العمارة ولا موقف لنا تحتها وسن العاشرة ... - وسن العاشرة لا يستلفت النظر، ولكني بلغت الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة ولم تنتبه. - سوء الحظ إذا استحكم. - كنت وقتذاك أعتبر سوء الحظ من نصيبي أنا.
نظرت إليها في حرج فطالعتني بنظرة صريحة جريئة ضاحكة، وقالت: فعلت المستحيل لألفت نظرك ولكني لم أفلح. - يا لها من ذكريات كالأساطير! - ولكنها حقيقية، وهي تعيش في أعماقي كخيبة لا دواء لها.
فقلت بارتباك: لعلك تبالغين. - أبدا، كل كلام الدنيا لا شيء بالقياس إلى حقيقة ذلك الماضي.
وكنت أصغي بارتياح وافتتان وبلا عاطفة، وبصراحتها العملاقة سألتني: أحق ما يقال عن الحب الأول من أنه لا يفنى أبدا؟
وتذكرت في الحال حنان، وصفاء، ورجعت إلى قلبي الخامد، ثم قلت: لا يخلو قول مأثور من حقيقة خالدة!
فقالت بحرارة: إنه عاطفة ساحرة لا تتكرر ولذلك لا يمكن أن ينسى. - وما فائدة ذلك؟ - لا فائدة. - ولكنك زوجة سعيدة.
فقالت بأسى: أجل، لا أحب أن أكون جاحدة، ولكن العين تثبت على ما ينقصها. - لذلك فالسعادة حكمة عسيرة. - زوجي رجل كامل، إنه مثال تتمناه أي امرأة، ولكنه لا يشاركني ميولي الخيالية، أشعر أحيانا بالوحدة، وتعضني أحيانا خيبتي القديمة!
وضحكت ثم استدركت: عندي تخمة من السعادة، ولكن روحي ظمأى!
فسألتها: ما عمر زوجك! - أربعون عاما! - أنت في جنة ولا يجوز لك أن تحلمي!
Shafi da ba'a sani ba