(الأول): أنه لو وجدت لكان لا يخلو إما أن تكون مشارا إليها فى جهة باليد إشارة حسية أولم تكن فان كانت مشارا إليها فلها إذا جهتان فما يلقى منها ما يأتيها من جهة غير الذى يلقى منها ما يأتيها من الجهة الأخرى فتكون منقسمة وتكون صورة جسمية إذ لا معنى للصورة الجسمية وحقيقتها إلا قبول القسمة وإن لم تكن مشارا إليها فهو باطل من حيث أنه إذا حلت بها الصورة فاما أن تكون فى كل مكان أولا تكون أصلا فى مكان أو تكون فى مكان دون مكان والأقسام الثلاثة باطلة فالمفضى إليها باطل* أما بطلان كونها فى كل مكان أولا فى مكان فظاهر* وأما بطلان اختصاصها بمكان دون مكان فمن حيث أن الصورة الجسمية من حيث أنها جسمية لا تستدعى مكانا معينا بل سائر الأما كن بالنسبة إليها واحدة فيكون الاختصاص بأمر زائد على الجسمية وذلك بأن يقال الهيولى كانت فى مكان مشار إليه فصادفتها الصورة فيه واختصت به فاذا لم تكن الهيولى مشارا إليها استحال فيها اختصاص بمكان دون مكان* فان قيل فهذا يلزم فى أصل الجسم فانه لم يختص بمكان دون مكان وهو من حيث أنه جسم يناسب سائر الأماكن على وجه واحد قيل لا جرم نقول أنه كما لا يتصور وجود هيولى قائمة بالفعل من غير صورة حالة فيها لا يتصور وجود جسم مطلق ليس له إلا صورة الجسمية مالم ينضم إليه أمر زائد على صورة الجسمية يتمم نوعه كما لا يتصور حيوان مطلق لا يكون فرسا ولا إنسانا ولا غيرهما بل لابد وأن ينضاف الفصل إلى الجنس حتى يتم النوع ويحصل الوجود فاذا ليس فى الوجود جسم مطلق أصلا بل جسم خاص كسماء وكوكب ونار وهواء وأرض وماء وما هو مركب من هذه فيكون استحقاقها بعض الأماكن دون بعض بصورتها كالأرض بصورة الأرضية استحقت المركز والنار بصورة النارية استحقت مجاورة المحيط وكذا سائر الأنواع* فان قيل فيبقى الالزام فى أحد أجزاء مكان نوع واحد وهو أن يشار إلى جزء من الماء فى البحر ويقال هذا من حيث إنه ماء ليس يستحق هذا الجزء من المكان بل لوكان إلى وسط البحر أقرب أو أبعد اكن ممكنا فما الذى خصصه به فيقال إن صورة المائية التى فى ذلك الماء صادفت الهيولى التى حلت فيها فى ذلك المكان لأن الهواء مثلا هو الذى ينقلب ماء وقد كان ذلك الهواء موجودا ثم ملاقاة السبب كالبرد هو الذى أحاله ماء فبقى ماء ثم ولم تكن الهيولى ثم من غير صورة بل مع صورة الهوائية فخلعتها ولبست صورة المائية فهذا أحد الأسباب ومن الأسباب أن ينتقل اليه بسبب محرك أوغيره فأما محض المائية فلا يقتضى جزءا معينا من أجزاء حيز الماء بل أمر زائد عليه من جنس ما ذكرناه فاذا بان أن الهيولى لا تقوم بنفسها دون الصورة.
(الدليل الثانى): أن الهيولى إذا فرضت مجردة عن الصورة فلا تخلو أما أن تنقسم أو لا تنقسم فان كانت تنقسم فاذا فيها الصورة الجسمية وإن كانت لا تنقسم فلا تخلو إما أن تكون نبوتها عن قبول القسمة طبعا لها ذاتيا أو عرضاغريبا فان كان ذاتيا استحال أن تقبل الانقسام كما يستحيل أن ينقلب العرض جسما والعقل جسما وإن كان ذلك عارضا غريبا فيها فاذا فيها صورة وليست خالية عن الصورة ولكن تلك الصورة مضادة للصورة الجسمية هذا مع أن الصورة الجسمية لاضد لها كما سيأتى عند ذكر التضاد فان قيل فبم تنكرون على من يسلم أن الصورة الجسمية تلازم الهيولى ولكن يقول هى عرض فيها لازم لها يقال له هذا محال لأن الموضوع متقوم بنفسه دون العرض فى العقل وإن كان قدلا يفارق فى الوجود فللعقل طريق إلى أن يعتبر ذات ذلك الموضوع ويقول هل هو مشار إليه أم لا وهل هو منقسم أم لا ويرجع الدليلان المذكوران بعينهما مع زيادة أشكال وهو أن الهيولى فى نفسها إذا لم تكن مشارا اليها وصارت الاشارة إلى الصورة التى هى عرض والعرض قائم فى ذات الموضوع فان لم يكن الموضوع مشارا إليه فينبغى أن يكون مباينا للعرض المشار اليه ولا يكون محلا له ولا يكون العرض قائما به بل قائما فى ذاته إذ يصير مشارا اليه وذلك كله محال فلاح أن الهيولى لا توجد دون الصورة وأن الصورة الجسمية والهيولى أيضا لا توجدان دون أن ينضاف اليهما الفصل المتمم لنوع ذلك الجسم لأن كل جسم إذا خلى وطبعه طلب موضعا يستقرفيه وليس ذلك له لكونه جسما بل لزائد وكل جسم فاما أن يكون سريع الانفصال أو عسره أو ممتنعه وكل ذلك ليس بمحض الجسمية بل بزائد عليه فاذا لا بد من الزائد أيضا حتى يتم الوجود وقد تحصل من ذلك أن الجسم جوهر مركب من جزئين صورة وهيولى ليس تركيبهما بطريق الجمع بين مفترقين هما موجودان دون التلفيق بل هو تركيب عقلى كما وقعت الاشارة اليه.
(القول فى الأعراض) لا بد من قسمة الأعراض بعد قسمة الجوهر وهى منقسمة أولا إلى قسمين.
(أحدهما): مالا يحتاج فى تصور ذاته إلى تصور أمر خارج منه.
(والثانى): ما يحتاج* فأما الأول فنوعان الكمية والكيفية.
(أما الكمية): فهى العرض الذى يلحق الجوهربسبب التقدير والزيادة والنقصان والمساواة مثل الطول والعرض والعمق والزمان فان هذا لا يحتاج فى تصوره إلى الالتفات إلى أمر خارج منه ويقع بسببه قسمة الجواهر* والنوع الثانى الكيفية وهى التى لا يحوج تصورها إلى تصور أمر خارج ولا يقع بسببها قسمة للجوهر ومثالها من المحسوسات المدركات بالحواس الألوان والطعوم والروائح والخشونة والملاسة واللين والصلابة والرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة* ومن غير المحسوسات ما هواستعداد لكمال أو نقيضه كقوة المصارعة والمصحاحية والضعف والممراضية ومنها ما هو كمال كالعلم والعفة وأما القسم الآخر المحوج إلى الالتفات إلى أمر خارج فهو سبعة.
(الاضافة وأين ومتى والوضع والجدة وأن يفعل وأن ينفعل).
(أما الاضافة): فهى حالة للجوهرتعرض بسبب كون غيره فى مقابلته كالأبوة والبنوة والأخوة والصداقة والمجاورة والموازاة وكونه على اليمين والشمال إذ الأبوة ليست للأب إلا من حيث وجد الابن فى مقابلته.
(وأما الاين): فهو كون الشىء فى مكان مثل كونه فوق وتحت.
(وأما متى): فهو كون الشىء في الزمان ككونه بالأمس وعام أول واليوم.
Shafi da ba'a sani ba