(دليل رابع): وهو أنا نفرض ستة عشرجوهرا فردا وصنعت متلاصقة متجاورة على شكل مربع وهى ذات أربعة أضلاع هكذا وقد وضعناها متفرقة فلنفرضها متلاصقة لا فرجة فيها فلا شك فى أن أضلاعها متساوية لأن كل ضلع مركب من أربعة أجزاء وقطره أيضا مركب من أربعة أجزاء.
فيجب أن يكون قطره مثل ضلعه وذلك محال فان القطر الذى.
يقطع المربع بمثلين متساويين أبدا يكون أكبر من الضلع وذلك معلوم بالمشاهدة من جميع المربعات ودل عليه البرهان الهندسى وذلك محال مع الجوهر الفرد.
(دليل خامس): اذا فرضنا خشبا منتصبا فى الشمس وقع له ظل لا محالة وامتد من الشعاع خط مستقيم من حد الظل كرأس الخشبة الى الشمس وواجب أن يتحرك مهما تحرك الشمس فان الشعاع لا يقع إلا مستقيما فان تحركت الشمس ولم يتحرك الظل كان لخط مستقيم طرفان طرف إلى الجزء الذى كان الشمس فيه أولا وطرف إلى الجزء الذى انتقل اليه ثانيا وذلك محال فان فرضنا تحرك الشمس جزءا واجدا فان تحرك الظل أقل من جزء فقد انقسم الجزء وإن تحرك مثل ما تحرك الشمس فهذا محال إذ يقطع الشمس فراسخ والظل لا يتحرك مقدار شعرة.
(دليل سادس): أن الرحا من الحديد أو الحجر إذا دارت فلا شك فى أنه إذا تحرك طرفه تحرك أجزاء وسطه أقل من ذلك لأن دوائر الوسط أصغر من دوائر الظرف وإذا تحرك الطرف جزءا فاما أن يتحرك الوسط أقل منه فينقسم الجزء أولا يتحرك فيلزم أن ينفصل جميع أجزاء الرحا حتى يتحرك البعض ويسكن وهو محال من الحس فان أجزاء الحديد ليست تنفصل البتة.
(فأما دليل بطلان المذهب الثانى): وهو قول من قال إن الجسم ليس مركبا أصلا بل هو موجود واجد بالحقيقة والحد فهو أن الشىء الواحد من كل وجه لا يتصور أن يعبر عنه بعبارتين يصدق على إحداهما مالا يصدق على الأخرى* ونحن نبين أن العقل يثبت فى كل جسم أمرين يصدق على أحدهما ما لا يصدق على الآخر فان الصورة الجسمية عبارة عن الاتصال لا محالة وهذا الجسم المتصل قابل للانفصال الا محالة والقايل لا يخلو إما أن يكون عين الاتصال أو غيره فان كان عين الالصال فهو محال لأن القابل هو الذى يبقى مع المقبول إذ لا يقال المعدوم قبل الوجود فالاتصال لا يقبل الانفصال فلا بد من أمر آخر هو القابل للاتصال والانفصال جميعا وذلك القابل يسمى هيولى بالاصطلاح* والاتصال المقبول يسمى صورة ولا يتصور جسم لا اتصال فيه ولا يتصور اتصال إلا فى متصل ولا امتداد إلا فى ممتد والمتصل عين الاتصال بالحد والحقيقة وليسا يتباينان بالمكان ولا يمكن أن يتميز أحدهما عن الآخر باشارة الحس ولكن باشارة العقل يتميزان إذ يحكم العقل على أحدهما بما لا يحكم به على الآخر وهو قبول الانفصال الذى حكم باستحالته على الاتصال وقد حكم العقل بثبوته على شىء فذلك الشىء هو غير الاتصال فقد أدرك العقل لا محالة تغايرا والشىء لا يغايرنفسه بحال فهذا برهان إثبات الهيولى والصورة فى كل جسم. وأما ذات الاله وذات العقل وذات النفس فلا يمكن أن يفرض فيها اتصال وانفصال فلم يلزم أن يكون فيها تركيب وإنما الأجسام هى المركبة بالضرورة من الصورة والهيولى لا محالة فاذا تحصل من مجموع ماسبق أن الحق هو الرأى الثالث وهو أن الجسم غير مركب من أجزاء لا تتجزء إلا متناهية ولا غير متناهية إذ لو كان أجزاء غير متناهية لاستحال قطع الجسم مسافة من طرف إلى طرف إذ لا ينتهى إلى النصف ما لم ينته إلى نصف النصف وكذلك نصف.
نصف النصف ويكون ثم أنصاف لانهاية لها فلا يمكن قطعها ولكن الجسم ليس له جزء بالفعل ولكن بالقوة وإنما يحصل له جزء إذا جزىء ويحصل فيه قطع إذا قطع ويحصل فيه قسمة إذا قسم. وقول القائل الجسم منقسم إن لم يعن به أنه مستعد لأن يحدث فيه الانقسام فهو خطأ كقوله إنه منقطع ومنفصل فان الجسم الواحد المتصل كيف يكون منقطعا ومنفصلا. نعم.
يكون مستعدا له والانقسام والانقطاع والتجزؤ عبارات مترادفة وكلها ثابتة فى الجسم الواحد بالقوة لابالفعل وإنما يصير بالفعل بأحد أمور ثلاثة إما قطع بتفريق الأجزاء. وإما بأن يختلف فيه العرض كالخشب الملون إذ يكون الأبيض غير الأسود. وإما بالوهم وهو أن تصرف وهمك إلى طرف دون غيره فيكون ما صرفت إليه توهمك غير ما قطعت الوهم عنه ويكون وضع الوهم عليه كوضع الأصبع ومهما وضعت الأصبع على طرف كان المماس لأصبعك غير المباين فيحدث به انقسام فكذا يتعلق وهمك بتميز عما لم يتعلق به فمن هذا يعسر على الوهم أن يتصور الجسم واحد الأجزاء له لأنه سباق إلى تعيين الأطراف وتخصيص بعض الأجزاء بالتقديرات فيكون الجسم عند ذلك منقسما انقساما حاصلا من الوهم ولم يكن له فى حد نفسه انقسام بل حدث بفعل الوهم. نعم كان مستعدا لفعل الوهم ولظهور هذا الاستعداد وسهولة حصول المستعد له وعجز انفكاك الخيال عنه لا يكاد الوهم يطمئن إلى التصديق بأن الجسم الواحد المتشابه الأجزاء كالماء الواحد واحد بل نقول اعلم أن الماء الذى فى أسفل الكوز غير الماء على سطح الكوز وهذا صدق لأن الانقسام قد حصل باختلاف عرض المماسة.
ثم نقول: الوهم يفرض جزئين غير مماسين للكوز فماعلى جانب اليمين بالضرورة غير ما على جانب اليسار وهذا أيضا صدق وقد حصل الانقسام باختلاف عرض الموازاة لليمين واليسار والقرب من سطح الكوز أو وسطه وكل ذلك يوجب انقساما ولكن إذا نفى هذه الاختلافات كلها واعتبر جسم واحد متشابه من كل وجه حكم العقل بأنه واحد وليس له جزء بالفعل ولكنه قابل للتجزئة فهذا كشف الغطاء فيه.
(القول فى ملازمة الهيولى والصورة) الهيولى ليس لها وجود بالفعل بنفسها دون الصورة البتة بل يكون أبدا وجودها مع الصورة وكذلك الصورة لا تقوم بنفسها دون الهيولى* والدليل على أن الهيولى لا توجد خالية عن الصورة أمران.
Shafi da ba'a sani ba