277

============================================================

عن غير أهله من طريق العقل. فاعرفه.

فإن قال قائل: نحن نرى أن الله تعالى1 قد أباح الأطعمة والأغذية الجسدانية لجميع الحيوان، ولم يخص به البعض دون البعض. فلم ستر العلم الذي هو2 غذاء الروح عن البعض دون البعض؟ وهلا أباح لهم العلم كما أباح الأغذية للحيوان من غير تخصيص؟

يقال له: قد جهلت ترتيب الأطعمة والأغذية في الحيوان حي أداك إلى الجهل بمراتب العلسوم" في أشخاص البشر ، لأتك ترى الجمل والفرس والشاة والثور قد طبعوا على الاغتذاء من البر والشعير وأشياء معدودة. ولم يطبعوا على الاغتذاء من أنواع الطبيخ والحلاوة، وأنواع الفواكه والثمار. والسباع قد طبعوا على الاغتذاء من الجيف والعظام البالية، ولم يطبعوا على الاغتذاء من الأطعمة الشهية اللذيذة.

والإنسان من بينهم هو الذي طبع على الاغتذاء من جميع الأطعمة والأشربة، واستمتع بكل شهي لذيذ. كذلك منزلة العلم بين أشخاص البشر. فإن أهل الظاهر قد طبعوا على الاغتذاء من العلم بما هو متعارف فيما بينهم من علم الفقه والأخبار والأشعار والأسمار. ولم يطبعوا على الاغتذاء من العلوم الحقيقية التي هي علم الآفاق والأنفس، ومعرفة الخالق، جل جلاله، بنفي التشبيه وترك التعطيل، ومعرفة البعث بعد الموت، ومعرفة [229] الجنة والنار. وأهل الحقائق من بينهم هم الذين طبعوا على الاغتذاء بكل نوع من أنواع العلم. ويستلذون بكل شيء منه، ويستخرجون منافعه ودلائله على ما هو موضع له من شهادة الحدود. فقد صح أن لله دين مستور عن غير أهله من طريق العقل. فاعرفسه.

1ز: تبارك وتعالى.

1 هو: كما في ز، وهو سقط من ه 3 ز: العلم.

Shafi 277