فصدعني منه بسهم شتات
ولما طلع النهار، ووقعت عليه أعين النظار، حملوه إلى دار أمير المدينة المعظم، وناطوا بعلاجه الطبيب ابن أبي محجم، فتوجه إليه الشقاء بعد ثلاثة شهور، واعتدلت صحته وحل بساحته السرور، وأقسم بالله العظيم، رب زمزم والحطيم، أنه ما دام على قيد الحياة، لا يتبع شيطان هواه، ولا يطاوع النفس، ولو ترتب على عدم مطاوعتها الحلول بالرمس، وبعد أن تاب، وإلى الله أناب، خرج في قافلة إلى الحجاز، ومنها وصل إلى مسقط رأسه بمدينة الأهواز، واجتمع فيها بأبيه وأمه، وانصرفت عنه غوائل همه، وانهمك على تحصيل المعارف، حتى بلغ النهاية في التالد والطارف، وأضحى بين أبناء الزمان، يشار إليه بأطراف البنان، وعاش بين أهله والعيال، حائزا لصفات الكمال.
المقالة الحادية عشرة
في القيام بشكر الصنيعة، لمن له في المروءة الدرجة الرفيعة
قال شبل بن ليث، المكنى بأبي غيث: تاقت نفسي إلى جوب الفدافد، واشتاقت إلى رؤية الهياكل والمعابد، فخرجت على حالة الانفراد، شاكي السلاح على متن الجواد، وتماديت على قطع الفيافي، والترنم ببديع القوافي، مدة شهور، وأيام وكسور، ولا زلت أنتقل من بلد إلى بلد، ولا أعرج في الرواح والغدو على أحد، حتى انتهيت إلى مدينة، كبيرة آهلة حصينة، فأودعت الحصان، عند صاحب خان، ثم سعيت إلى المسجد الجامع، المعروف بضريح ابن شافع، وأديت فيه بالقصر صلاة العصر، وبينما أنا أطوف فيه، وأمعن النظر في نواحيه، إذ رأيت بلا لبس، حلقة درس، في وسطها شيخ كأنه من بني حام، وهو حسن القيافة معتدل القوام، وسمعته يلقي على الطلبة بأفصح لسان، تفسير قوله تعالى:
والنجم والشجر يسجدان
هنالك جلست في هذه الحلقة؛ لالتقاط بعض الفوائد، واجتناء ما يتأتى في العثور عليه من الفرائد، فمما حفظته عنه وفهمته منه، في تفسير هذه الآية الشريفة، بعبارة سهلة لطيفة، أنه قال موضحا ما في الآية من الأقوال : أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء، عن حبر الأمة ونجم الاهتداء، ابن عباس العالم بدقائق القرآن، أنه لما سأله نافع عن تفسير
والنجم والشجر يسجدان
قال: «النجم» معناه ما أنجمت الأرض.
وأنبتت مما لا يقوم على ساق، من قولهم: نجم ينجم بالضم في الاشتقاق. «والشجر» معناه ما أنبتته وقام على ساقه، وظهر للعيان، وأنشد مستدلا على ذلك بقول صفوان:
Shafi da ba'a sani ba