وادع عملة المساكين. فصنع طعاما، ثم قال: من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب. وقوله: (عملة المساكين) أى صوامهم وعبادهم. وكانت مساكين بنى إسرائيل بهذه الصفة لمسكنة العباد، وسائرهم فقراء.
فهذا فعل كان قد بدر من يعقوب ﵇، وهو لا يستغربه؛ فجعله الله لبلائه، وجعل البلاء سببا لاستخراج صبره، وامتحان قلبه.
وإن ربنا كريم إذا أراد أن يبتلى عبده لاستخراج ما في ضميره وإبرازه لأهل سمائه وأرضه استحيا أن يبتليه من غير علة أو سبب؛ فيكون ذلك كالارتجاع في العطية.. ألا ترى إلى قوله: (وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله)، ثم قال: (ذَلِكَ بِأَنّ الله لَم يَكُ مُغِيرًا نِعمَةً أَنعَمَها عَلَى قَومٍ حَتى يُغيرُوا ما بِأَنفُسِهِم) . وإذا أراد الله أن يبتلى عبدا ليبرز صبره الجميل الذى تولى وصفه بنفسه منه من الله تعالى أعطاه من العافية والرجاء والنعمة، فجعل على مقدمة البلاء سببا كالعلة، مثل ما فعل يعقوب ﵇، وكذلك روى في قصة أيوب ﵇؛ ليظهر صبره وشرفه على الخلق، وتكون الخلق به مقتدين، قال: وبلغنا أنه كان على مقدمة البلاء أنه كان عند فرعون يوم دخل عليه موسى ﵇، وكان أيوب ﵇ عن نصرته، وكانت منه كلمة أو كلمتان كالمدارى، فكان هذا موجده في الستر على أيوب، فجعله سببا لبلائه؛ فابتلاه وجعل البلاء سببا لإبراز صبره، والثناء عليه، والاحتجاج بفعله على الخلق.
1 / 77