بل هو عبارة عن مجموع البدن الخاص والنفس المخصوصة ، كما أشرنا إليه فيما تقدم ، وسنزيده بيانا فيما بعد.
ولم يظهر مما ذكره عدم بقاء نفسه أيضا ، كيف وهو نفسه قد اعترف بأن المستحق للثواب والعقاب النفس ، وهي باقية بعد خراب البدن ، بل قد ادعى جمع من الحكماء أن هوية زيد وهذيته إنما هي بنفسه ، فإن أعضاءه وبدنه أبدا في التحول والذوبان والتبدل والسيلان بحرارته الغريزية المستولية عليها من نار الطبيعة ، وزيد هو هو نفسا وبدنا من أول العمر إلى منتهاه ، لانحفاظ هوية بدنه بنفسه التي هي صورته التمامية ، فهذية البدن من حيث هو بدن لهذه النفس بهذه النفس ، وإن تبدل تركيبه.
على أن الحق كما سيأتي تحقيقه فيما بعد إن شاء الله تعالى أن هوية زيد بنفسه ، وكذا بهوية الأجزاء الأصلية الباقية من بدنه.
وأما ما ارتكبه أخيرا من «كون المخاطب بالتكاليف والمستحق للثواب والعقاب هو النفس وحدها ، وكون البدن آلة لها في ذلك وأن لا محذور في أن كان استحقاق النفس لها عند تعلقها بآلة ، وإيصال أحدهما عند تعلقها بآلة اخرى ، وإن كانت مغايرة للاولى».
ففيه ، أن هذا مخالف لما دل عليه الشرع ونطقت به الآيات المتقدمة ، فإنك قد عرفت أنها تدل على معاد النفس والبدن ، الذي كان في النشأة الدنيوية جميعا. أي على معاد الإنسان الذي هو عبارة عن مجموعهما ، وكذلك الظاهر من التكاليف الواردة أن المخاطب بها هو الإنسان لا نفسه فقط ، وإن كان للنفس مدخل عظيم في ذلك. والحال قد بينا لك أن التصديق بالمعاد يجب أن يكون على النهج الذي دل عليه الشرع ، فتبصر.
وإذا عرفت ما ذكرنا وعلمت كيفية معاد البدن على تقدير القول بالجواهر الفردة ، ونفي الجزء الصوري للجسم ، فاعلم أن القائلين بالمعاد لو كان مذهبهم في الجسم ما ذهب إليه ذيمقراطيس من القدماء ، من أن مبادئ الأجسام أجسام صغار صلبة متجزية وهما غير متجزية في الخارج ، وأن اتصال الجسم عبارة عن اجتماع تلك الأجسام الصلبة ، وانفصاله عن افتراقها ، من غير أن يكون هناك جزء صوري للجسم ، فحالهم أيضا في القول بموت البدن ومعاده كحال لفرقة الاولى سواء.
وهذا المذهب أيضا وإن كان باطلا كالأول ، لكنه على تقدير القول به أيضا لا يلزم
Shafi 82