فحيث كان البدن أولا محلا لإمكان حدوث الصورة النوعية أولا وبالذات ، ولإمكان حدوث النفس متعلقة به نوع تعلق وارتباط ، كما ذكر ثانيا وبالعرض ، وحدثت الصورة والنفس وزال ذلك الإمكان والتهيؤ عن البدن بزوال ما هو العلة المعدة لذلك ، أعني تلك الهيئة المخصوصة ، ولأن فعلية الممكن الحادث تستلزم زوال إمكانه أعني كونه بالقوة. فبقي أن تكون تلك المادة البدنية الباقية بعينها مع هيئة مخصوصة اخرى ، غير الهيئة الاولى المعدة لاستعداد الحدوث مستعدة لإمكان الفساد ، أي فساد ما حدث أولا بحيث كانت العلة القابلة لذلك هي تلك المادة البدنية الباقية وتلك الهيئة الاخرى الحاصلة هنا علة معدة لها ، فتزول تلك العلة المعدة حين فعلية الفساد ، والمادة باقية مع فساد ذلك الفاسد عنها. وهذا الاستعداد لإمكان الفساد إنما يمكن أن يكون استعدادا لفساد ما هو متعلق القوام بتلك المادة أعني الصورة الإنسانية ، وامتنع أن يكون استعدادا لفساد ما هو مباين القوام عنه ، أي النفس ، بل إنما يكون استعدادا لفساد الارتباط الذي بينه وبينها ، حيث كانت أولا مبدءا قريبا لتلك الصورة النوعية ، وقد زالت عنها حينئذ هذه المبدئية لزوال ما هي مبدأ له.
وبما وجهنا كلامه اندفع عنه الإيراد بأن الحامل لإمكان الفساد ، يجب أن يكون هو بعينه حاملا لإمكان الحدوث ، كما هو المقرر عندهم ، ودل عليه كلام الشيخ في الشفاء كما نقلناه ، وهنا ليس الأمر كذلك ، إذ المفروض أن حامل إمكان الحدوث هو البدن مع هيئة مخصوصة ، والمفروض أن تلك الهيئة قد زالت ، فيكون البدن مع هيئة اخرى غير الاولى حاملا لإمكان الفساد ، ولا شك أن البدن الحامل للإمكان بهذا الاعتبار غير البدن بالاعتبار الأول.
وبيان الاندفاع أن الحامل للإمكانين في الحالتين ، هو المادة البدنية الباقية بعينها في الحالتين. وأما الهيئتان فهما علتان معدتان ، ليستا بحاملتين ، ولا من أجزاء الحامل ، حتى يكون الحامل متعددا أو غير باق ، فتدبر.
ثم إنه بما حررنا كلامه رحمه الله ، ظهر الجواب عن اعتراض الإمام ، وأنه هو الجواب الذي فصلناه سابقا إلا أنه رحمه الله زاد بيانا له.
فقال : بعد ذلك فإذن البدن مع هيئة مخصوصة شرط في حدوث النفس ، من حيث
Shafi 222