ولذلك نهى عن الدخول في أرض الحِجْر إلا أن يكونوا باكين (^١)، فوافقَ ذلك قولَه تعالى عن مسجد ضِرَار: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ [التوبة: ١٠٨] فإنه كان من أمكنة العذاب.
فأما أماكن الكفر والمعاصي التي لم يكن فيها عذاب إذا جُعِلت مكانًا للإيمان والطاعة؛ فهو حَسَن، كما أمرَ أهلَ الطائف أن يجعلوا المسجد مكانَ طواغيتهم (^٢) . وكان مسجدُه مقبرة فجعلَه مسجدًا بعد نبش القبور (^٣) .
فإذا كانت الشريعة قد جاءت بالنهي عن مشاركة الكفَّار في المكان الذي حلَّ بهم فيه العذاب؛ فكيف بمشاركتهم في الأعمال التي يعملونها؟! بل المشاركة في العمل أقرب في اقتضاء العذاب من الدخول إلى الديار، فإن جميع ما يعملونه مما ليس هو من أعمال السابقين إما كفر وإما معصية، وإما شعار کفر أو معصية، وإما مظنة للكفر والمعصية، وإما أن يخاف أن يجر إلى معصية.
وما أحسبُ أحدًا يُنازع في جميع هذا، ولئن خالف فيه، فلا يمكنه أن ينازع في أن المخالفة فيه أقرب إلى المخالفة في الكفر والمعصية،
_________
ّ
(^١) أخرجه البخاري رقم (٤٣٣) من حديث ابن عمر ﵄.
(^٢) أخرجه أبو داود رقم (٤٥٠)، وابن ماجه رقم (٧٤٣) من حديث عثمان بن أبي العاص ﵁. وفي سنده محمد بن عبد الله بن عياض الطائفي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، ولم يرو عنه غير سعيد بن السائب، فهو في عداد المجهولين.
(^٣) أخرجه البخاري رقم (٤٢٨)، ومسلم رقم (٥٢٤) من حديث أنسٍ ﵁.
1 / 50