Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

Cabd Allah Akhwad d. 1450 AH
62

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Nau'ikan

3

العربي المعاصر

في الوقت الذي سعى فيه الجابري من خلال مشروعه إلى تبرير اختياراته المعرفية والمنهجية في تشريح مكونات العقلية العربية الإسلامية، من خلال المكونات القومية للذات العربية مع تلفيقية مبررة بينها وبين إنجازات الغير، والبحث في التراث عن مسوغات لهذه التوجهات، إن كنا قد اعترفنا بفضلها في إثارة إشكالات حقيقية مرتبطة بعلاقة العقل العربي بتراثه حين حاولت أن تنقله من مجرد موضوع إلى إشكالية معرفية ومنهجية، في وقت حسمت اتجاهات أخرى الموضوع واتجهت نحو الاستلاب الثقافي والمنهجي رغم مرارة هذا القرار وتبعيته ، نجد المدرسة العلمانية في الفكر العربي المعاصر - خصوصا مع محمد أركون - قد نحت المنحى ذاته، حين سعت إلى تثبيت منهجية العلوم الإنسانية في نسختها الغربية لتعمق هي الأخرى من جراحات وآلام العقل العربي، وتوسع الهوة بينه وبين مرجعياته، بدل تقريبها منطلقة من أرضية الحداثة وعقيدتها المنهجية.

فخاضت معركة المفاهيم مع ثقافة الأمة وأصولها المرجعية، معتبرة المعركة على مستوى العلوم الإنسانية المدخل الأساس لعلمنة المجتمع العربي الإسلامي، ومن خلال الوصل بين لحظات انطلاق الحداثة الغربية وثوراتها المنهجية الفكرية، حين قوضت أسس التفكير الكنسي الديني وفككت مؤسساته، وأعلنت ميلاد نمط جديد على مستوى آليات التحليل والنقد، وبين اللحظة التاريخية للعقل العربي الإسلامي لتحريره من كل القيود العقدية والتاريخية التي حالت - حسب تحليلها - دون تحقيق الإنجاز المطلوب.

لعل أبرز معالم الحضارة الغربية الحديثة توجهها العلماني الداعي إلى فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، بل «يرتبط بروز الفكر العلماني الذي تبناه مفكرو الأنوار الغربيين بإدراك المفكر الغربي الحاجة إلى الفصل بين المؤسستين الدينية والسياسية في المجتمع الغربي لتحقيق السلام الداخلي، وتطوير مجتمع سياسي متعدد الأديان يسمح بتقويم الأفراد بناء على إنجازاتهم الفردية ومساهماتهم في تطوير المجتمع السياسي، بدلا من التعويل على انتماءاتهم الدينية؛ لهذا الغرض اقتنع قادة المجتمع الغربي ومفكروه أن لا طريق لإحلال السلام بين الفرق الدينية المتصارعة ما لم يقبل الجميع بالاحتكام إلى عدد من المبادئ السياسية المشتركة التي تسمح بإحقاق الحقوق وتوفير العدل، وتحول بين سيطرة فرقة دينية محددة على السلطة، ومن ثم استخدامها لفرض رؤية ضيقة على الجميع. وهكذا لاقت فكرة الدولة العلمانية قبولا واسعا في المجتمعات الغربية الناهضة بدءا من القرن الخامس عشر الميلادي.»

4

لكنه فصل معكوس تماما للعلاقة بين السلطتين، ففي الوقت الذي كانت المعادلة تنطلق من السلطة الدينية نحو السلطة السياسية مستغلة نفوذها، أصبحت المعادلة عكسية، من السلطة السياسية إلى السلطة الدينية، فظلت العلاقة بين السلطتين علاقة مد وجزر حسب السياقات التاريخية والأهداف الموجهة لكل واحدة منها؛ لهذا ف «إن تلازم الوعي الديني والنهوض الحضاري حقيقة تاريخية وشرط موضوعي. فالحضارات الإنسانية عبر التاريخ تعود في جذورها إلى وعي ديني ورؤية كونية متعالية، بدءا من حضارات الهلال الخصيب ومصر الفرعونية، ومرورا بالحضارات الصينية والهندية والفارسية والإغريقية والرومانية، وانتهاء بالحضارتين الإسلامية والغربية. ولقد وثق المؤرخ الغربي الشهير أرنولد توينبي العلاقة بين الدين والحضارة وأظهر في كتابه دراسة الحضارة أن العلاقة بين الدين والحضارة علاقة المقدمة بنتيجتها».

5

السياقات التاريخية التي أفرزت الصراع بين الكنيسة والفكر الغربي الحر ليست قاعدة ثابتة في الحكم وتعميم النتائج، فما قام به بعض مفكري الغرب من «تسفيه للإله، فلا يمكن بحال أن يعزل ذلك عن جو التغميض الديني، وما ارتكبت بعض الأنسقة الكنسية من أخطاء، وما مارسته من قهر أو تبنته من شكليات، وبالتالي لا يمكن أخذ هؤلاء المفكرين المناهضين لإله الكنيسة، والمعبد كقاعدة في تقييم كل الأديان وعبر كل العصور وفي كل المجتمعات»؛

6

Shafi da ba'a sani ba