Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Nau'ikan
150
في الوقت الذي ينبغي - حسب طه - أن يمتد في الأنساق الأخرى، التي تعينه على الإبداع والخلق، بدل هذا الحصر المضر، لهذا فإن «تجاهل الجابري للوظيفة التوحيدية للعقل المكون قد جعله يبني تحليله للعقل العربي جعله يبني تحليله على أساس قسمة هذا العقل، لا على أساس وحدته. وبدلا من أن يرد مختلف تجليات هذا العقل في مجالات الفقه وعلم الكلام والتصوف والفلسفة إلى البنية العضوية الواحدة التي تصدر عنها، فإنه سيعمد إلى تشطير هذا العقل تشطيرا ثلاثيا وقطعيا إلى عقل بياني وعرفاني وبرهاني. وهو لن يكتفي بأن ينزل كل «عقل» من هذه العقول منزلة الجوهر الفرد القائم بذاته والمنغلق على نفسه، بل سيدير بين هذه الكيانات الجوهرية حرب مواقع وخنادق.»
151
وهو مما قلل من القوة الإبستيمية في مشروع الجابري؛ لأن الأصل في معانقتها الانتقال من التجزيء إلى التكامل، وهو ما لم يحدث في أجزاء كبيرة من مشروعه الفكري، وإن أكد على ذلك في مقدمات كتبه المنهجية البنائية.
وقد اتخذت العقلانية عن الجابري مسارات دشنها انطلاقا من الاتكاء على التمييز الذي اعتمده لالاند في تقسميه للعقل، بين العقل المكون والعقل المكون ثم مسار العقلانية اليونانية التي كان لها السبق في هذا النوع من التفكير، فالطبيعة موضوع هذه العقلانية، يقول: «فالطبيعة بأسرها - في نظر أرسطو؛ قمة الفلسفة اليونانية - قابلة لأن يتعقلها العقل على الرغم مما يكتنفها من فوضى ويرافق حوادثها من غموض، ذلك لأن العقل - بمعنى النظام - هو أساسها، ولأن من ينظر إليها بعين العقل لا يرى فيها إلا العقل، ومن هنا كان العقل في التصور اليوناني الأرسطي هو «إدراك الأسباب».
152
وفي الاتجاه والمسار نفسه سارت الفلسفة الحديثة في أوروبا، مستعرضا التطورات الحاصلة في هذه العقلانية وعن طبيعتها الثابتة الكونية، والمحاولات التي جرت في هذا التاريخ لتحقيق ما أسماه نوعا من المطابقة بين الطبيعة والعقل، بل أيضا إلى المصالحة بين الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية إنقاذا لوحدة الحقيقة ووحدة العقل معا.
153
فالعقل عنده «لعب حسب القواعد» التي مصدرها الواقع لا غيره، وأن العلم لا يؤمن بمصدر آخر للعقل، ويستند في ذلك - كعادته - إلى التعريف الذي قدمه أولمو للعقل «ليس القواعد التي يعمل بها العقل هي التي تحدده وتعرفه بل قدرته على استخلاص عدد لا نهائي منها، والتي تشكل ماهيته، والعقلانية بهذا الاعتبار تغدو ليس الإيمان بمطابقة مبادئ العقل مع قوانين الطبيعة وحسب بل الاقتناع بكون النشاط العقلي يستطيع بناء منظومات تتسع لتشمل مختلف الظواهر.»
154
Shafi da ba'a sani ba